بينما يعكف المتخصصون في مجالات القانون والمحاسبة والهندسة على الانخراط في دورات خاصة بالتحكيم تستغرق أكثر من 100 ساعة تحكيم لينالوا بعد تخطيها بنجاح لقب «محكم» من جهات تحظى باعتماد رسمي، فتح أحد المكاتب التجارية الباب على مصراعيه أمام قبول كل من يرغب في الحصول على لقب ودرجة مستشار في التحكيم وفي أي مجال يريده.
وكل ما يتعين على الراغب بذلك اللقب «الرفيع»، ان يدفع مبلغاً مالياً للمكتب قدره 300 دينار كويتي، وبعد مضي أربعة أيام، لا يشترط فيها الحضور شخصياً، يتم «تكريمه مع شهادة وهوية تحمل اسمه» مع لقب «مستشار بالتحكيم»!
بالطبع، هذه التجارة الخارجة على القانون وعلى وزارتي التجارة والعدل، والتي تخلو من أي ضوابط أو معايير أو تنظيم، دفعت بعدة شركات ومكاتب قادمة من بعض الدول العربية بينها مصر إلى الترتيب مع بعض الأشخاص في الكويت وبينهم أساتذة في كلية الحقوق بجامعة الكويت إلى المشاركة في تقديم الدورات نظير مقابل مادي يدفع لهم، لتنتهي بمنح لقب مستشار بالتحكيم التجاري أو الدولي أو متخصص بفضّ المنازعات الدولية.
ويسدّد مبلغ الـ 300 دينار على دفعتين من قبل المشترك أياً كان مؤهله، الدفعة الأولى، تسدد للموظف التابع للمكتب لدى قدومه، والذي يتولى تصوير الهوية ومعها صور شخصية للمشترك، أما الدفعة الثانية فتسدد قبل استئناف الموعد الخاص بالدورة، ثم إبلاغ المشترك بموعد تسلّم الشهادة، مع التقاط الصور التذكارية عند التكريم وبابتسامة عريضة لدى تسلّم الـ «كرنيه»!
في السياق، سألت «الجريدة» مدير مركز التحكيم في جمعية المحامين الكويتية المحامي جابر الضبيعي عن الإجراءات المعتادة لقيد المحكمين، فأجاب بأن ذلك خاضع للنظام الأساسي لكل مركز، لكن المتعارف عليه هو الانتظام بالدورة وتجاوز 50 ساعة تحكيم كحد أدنى للحصول على درجة محكم، وهناك درجة قيد آخر تتطلب تجاوز 100 ساعة تحكيم، ومن يحصل عليها هم العاملون في مجالات القانون والمحاسبة، وربما الهندسة لأن الأمر يتطلب وجود أساسيات يتعين توافرها لدى العاملين في تلك المجالات.
من جانبه، قال رئيس مركز التحكيم بجمعية المحاسبين الكويتية د. فايز الفضلي، إن «تجارة التحكيم بدأت تتوسع في دولة الكويت، وللأسف وسط غياب التنظيم من قبل وزارات التجارة والعدل والتعليم العالي».
وأضاف الفضلي، أنه سبق له أن راجع وزارتي العدل والتجارة للنظر في الأمر وبحث هذا الموضوع هناك حفاظاً على المصلحة العامة، وليكون التحكيم منظماً للمتخصصين في المجالات التي تعتمد على التحكيم، لكن هاتين الجهتين لم تنظما أو تمنعا أو تراقبا سلامة الدورات التي تعطى ولا صحة الألقاب التي توزع، وتشهد انتشاراً لاسيما في الأشهر الأخيرة، مثل توزيع لقب «مستشار بالتحكيم» فضلاً عن منحها لغير المتخصصين كالطلبة مثلاً، ناهيك عن عدم تجاوزهم ساعات التحكيم المتعارف عليها في كبرى مراكز التحكيم العالمية والمعتمدة.
إلى ذلك، اتصلت «الجريدة» بموظفين تابعين لأحد تلك المكاتب، حيث أكد عامل «عربي الجنسية» أن الأمر عبارة عن الالتحاق بدورة مدتها أربعة أيام، ويمكن حضور اليوم الأول لساعة فقط، بانتظار آخر يوم لتسلم الشهادة في حال كنتَ مشغولاً، ولتحصل بهذه السرعة على لقب مستشار بالتحكيم الدولي.
ويتابع العامل: «بالطبع بعد نيل هذه الشهادة سيكون حاملها (من المؤهلين) لفض المنازعات الدولية أو التجارية وشهادته معتمدة من جامعة الكويت، لأن أحد أعضاء هيئة التدريس موجود معنا، ويعتمد تلك الشهادة، وكل ما في الأمر أن عليك دفع المبلغ المقدم للموظف الذي سيأتي إليك ويتسلم صورتين شخصيتين وصورة عن الهوية».