في مسار مخالف لمضامين الخطاب الاستثنائي لسمو ولي العهد، وبمجرد الإعلان عن قرب حل مجلس الأمة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة خلال الأشهر المقبلة، انتظمت اللجان التنسيقية في اجتماعات تمهيدية، تحضيراً لإجراء انتخابات تشاورية (الفرعيات)، على غرار ما كان يحدث في كل الانتخابات السابقة.
وجاء انطلاق قطار «الفرعيات» هذه المرة، على الرغم مما تضمنه الخطاب، من توجيهات سامية، لضمان إجراء انتخابات نيابية شفافة، حيث تنافي هذه «الفرعيات» صلب القانون والدستور، إذ إنها ترسّخ الهُوِّية الاجتماعية على حساب الهُوِّية الوطنية الجامعة.
ورغم الدعوة السافرة لإجراء «الفرعيات» وتناثر فحوى هذه الاجتماعات في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية لم تتحرك حتى الآن، للتأكيد على جديتها في تنفيذ مضامين الخطاب.
وقد تفاعل المجتمع المدني بشكل واضح مع مضامين الخطاب الاستثنائي لسمو ولي العهد، الذي شدد على ضرورة الشروع في إصلاح شامل للبلاد، وفق انتخابات نزيهة، تعكس الإرادة الشعبية.
وتأتي هذه الانتخابات «الفرعية» في توقيت يعكس مدى وعي المواطن ضد هذه الممارسات، فلأول مرة خلال الانتخابات الأخيرة (2020) تشهد «الفرعيات» هذا الكم من الرفض لنتائجها، إذ خاض 3 مرشحين الانتخابات، رغم خسارتهم «التشاورية»، وتمكن اثنان من الفوز، وكان هذا الأمر انعكاساً صريحاً لعدم تعبير نتائج هذه «الفرعيات» بشكل حقيقي عن توجهات الناخبين، كما أنها لا تُعد مقياساً حقيقياً لنبض الرأي العام، وهي في جوهرها انحراف عن فكرة التمثيل الشعبي الصحيح، وتحويل المرشح من مرشح دائرة، يكون معنياً بحماية مصالح أهالي الدائرة بمختلف مكوناتهم وانتماءاتهم، إلى مرشح قبيلة معينة أو «فخذ» محدد.
الجديد في الانتخابات المقبلة المنتظرة أن التوجه الشعبي المتصاعد برفض «التشاوريات» تلاقى واقترن هذه المرة بتوجُّهات صانع القرار، وتبعاً لذلك، يجب أن يكون التعامل بكل الأحوال مع هذه الظاهرة مختلفاً هذه المرة، وعلى الأجهزة الأمنية أن تبادر إلى تطبيق القانون بحذافيره، وأن تتصدّى بكل قوة لظاهرة «الفرعيات»، منعاً لتشويه العملية الديموقراطية.