بعد أن عصفت جائحة «كورونا» بالتعليم في الكويت، وتسببت في تفاقم أزمته وتعميق جراحه وتراجُع مستوى مخرجاته التي عانت لسنوات قبل الجائحة مشاكل المنظومة التعليمية ومعوّقاتها، فإنّ الأمر يدفع متخذي القرار إلى البحث عن حلول لهذه المشاكل للنهوض بمستوى التعليم في الكويت، ولعل تطوير مستوى المعلمين ورفع كفاءتهم يُعدّان من أهم الملفات التي سوف تساهم في ذلك.
يعكف المركز الوطني لتطوير التعليم، بالتعاون مع وزارة التربية، على إنجاز رخصة مهنية للمعلمين، لوضع آلية لاختيار أفضل المعلمين، واستمرار ذوي الكفاءة منهم في الميدان التربوي، وتنظيم ترقياتهم وتقييم تطورهم، حيث تُعقد الآمال ليرى المشروع النور عام 2024، لتطوير وإصلاح التعليم في الكويت.
إلى ذلك، أكدت مصادر تربوية لـ «الجريدة» أن المشروع شارف على الانتهاء، حيث بلغت نسبة الإنجار 71 في المئة، منوهة إلى أنه بحسب الخطة سيتم البدء بالتنفيذ التجريبي للرخصة اعتبارا من اول أبريل 2023.
وكشفت المصادر، أن المركز الوطني لتطوير التعليم قطع شوطا كبيرا في مشروع رخصة المعلم، وسيرفعه إلى مسؤولي «التربية»، ثم إلى السلطة التشريعية؛ لإقراره باعتباره إحدى الخطوات المقترحة لإصلاح القطاع التعليمي وتطويره.
وأوضحت أن الرخصة ستطبق على المعلمين الجدد، بينما لن تشمل المعلمين القدامى حاليا، منوهة إلى أنها ستكون اختيارية في مراحلها الأولى، لكنها ستتحول إلى مسار إلزامي بعد أعوام قليلة، بحيث يعتبر النجاح في «الاختبارات الدورية للرخصة» ضرورياً لاستمرار المعلمين الجدد في التدريس أو الترقية.
وذكرت المصادر أن الرخصة تشمل 4 مستويات: الأولى معلم مشارك، والذي يقوم بالتسجيل في برنامج الرخصة دون دخول للاختبار، فيما يحصل على مسمى معلم ممارس اذا ما اجتاز الاختبار، ثم يرقى إلى معلم متقدم ثم إلى خبير على التوالي، لافتة إلى أن الحصول على الرخصة ليس فقط من خلال الاختبارات إنما يجب على المعلم الحصول على دورات تدريبية محددة ضمن البرنامج قبل الخضوع للاختبارات.
وذكرت أن المركز الوطني بصدد تطبيق اختبارات تجريبية للمعلمين الراغبين في المشاركة في برنامج الرخصة في 4 مواد هي: العربية، والإنكليزية، والرياضيات، والعلوم، على أن تجرى هذه الاختبارات في ديسمبر المقبل.
وبينت المصادر أن الحاصلين على الرخصة سيكون لهم أولوية التعيين بحسب احتياجات الوزارة قبل زملائهم غير الحاصلين عليها، إضافة إلى أنها ستحدد مدى امكانية استمرارهم في سلك التعليم أو ترقياتهم مستقبلا، منوهة إلى أن الرخصة سترتبط بمكافآت الأعمال الممتازة وبعض المزايا المالية بالنسبة للمعلمين الجدد، فيما سيتم ربطها بمزايا المعلمين القدامى مستقبلا بعد ادخال بعض التعديلات على القرارات والقوانين ذات الصلة.
وذكرت أن الرخصة مستقبلا ستطبق على معلمي المدارس الخاصة بعد تطبيقها على الحكومية، منوهة إلى أن هذه البنود والتفاصيل لاتزال قيد المناقشة وقد تدخل عليها بعض التعديلات.
وقد أجمع أهل الميدان التربوي على أهمية المشروع الذي طال انتظاره، مؤكدين أن واقع الميدان متهالك، ولا يكاد يصمد أمام التحديات والمستجدات الحديثة، معتبرين أنه يستند إلى أسس وقرارات لم تعد مجدية في الوقت الحالي.
وقالوا لـ «الجريدة» إن الرخصة ضرورة ملحّة لتحقيق الارتقاء والنهوض بالمنظومة التعليمية وتحسين مخرجاتها، مطالبين في الوقت ذاته وزارة التربية بالعمل على إعداد مختصين لدورات تدريب وتطوير ذات جودة عالية، إضافة إلى تحقيق مبدأ الثواب والعقاب بمكافأة المجتهدين وحرمان الكسالى من الامتيازات، لتكون حافزا لهم على تطوير أنفسهم.
وسيلة تحسين
بداية، شدد الموجه الأول للغة العربية، طارق العنزي، على أن رخصة المعلم بلا أدنى شك هي إحدى وسائل تطوير التعليم، وذلك بتحسين مستويات المعلم ورفع كفاءته، وهي ضرورية جدا لأنها تهتم بالحلقة الأخطر من حلقات المنظومة التربوية، ألا وهي المعلم، لافتا إلى أن اعتماد مشروع الرخصة وتطبيقه بحاجة إلى سنوات من العمل الجاد والإعداد لوضع الهياكل والجداول المنظمة للعمل، ووضع اختبارات لمختلف المواد لتكون بالصورة الصحيحة.
وأضاف العنزي: «نحن بحاجة إلى الجانب المادي المتمثل في أماكن وقاعات وشبكات وبرامج وفرق عمل، فضلا عن الحاجة الماسة إلى أن تصدر قرارات وزارية، أو ربما من جهة أعلى لتُحدث الأثر المطلوب ويكون التطبيق مُلزما».
مؤشر ضعف
من جهتها، ذكرت الموجّهة الأولى لمادة العلوم، شيخة الزعبي، أن هناك حاجة إلى التطوير المستمر، وهذا ليس مؤشرا للضّعف أو التدني، وإنما هو حاجة طبيعية مستمرة مع الحياة المهنية للمعلم، والتطوير المستمر للمعلم له عدة مبررات تجعله من الأهمية بمكان أن تستقطب لها الجهود والإمكانات، ومن تلك المبررات أهمية تطوير أساليب التدريس وطرائقها وتطوير نظريات التعلم وأساليب تقويم نتاجات التعلم وتنويع وتحديث برمجيات وتطبيقات التعليم الإلكترونية، إضافة إلى ظهور المستجدات التربوية ووجود حالة طوارئ تعليمية، مثلما حدث خلال جائحة كورونا، وما يتبعها من طرائق جديدة للتعامل مع الأزمات.
وأضافت الزعبي أن التواجيه الفنية للمواد الدراسية تتحمل المسؤولية بشكل كبير في تطوير أداء المعلم، إلى جانب متابعة رئيس القسم، لافتة إلى أن نظام رخصة مزاولة التعليم معمول به في العديد في الدول التي تسعى إلى رفع كفاءة نظام التعليم فيها، حيث تخضع للتجديد وفق شروط معيّنة يجب استيفاؤها لمواصلة مزاولة المهنة، وهو ضمان لأن يحمل مسمّى معلم من يستحقه، إضافة إلى أنها تضمن أيضا سعي المعلم لتطوير نفسه ذاتيا، إذ إن من شروطها اجتياز عدد محدد من الدورات وورشات العمل، كما أنها تساعد على رفع كفاءة التعليم، حيث إنه لن يُعلم الأبناء إلا المؤهَّل من ذوي الكفاءة والقدرة، ويُحرم منها مَن هم دون المستوى.
ولفتت إلى أن المعلم الذي يركن إلى الراحة والتهرب من الدورات وبرامج التنمية المهنية أو التغيب عن العمل يجب ألّا يكون له مكان في الساحة التربوية إن تم تطبيق الرخصة، وهذا الإجراء سيساعد في حلّ مشاكل كثيرة يئن منها الميدان سنوات طويلة، فلن يكون هناك هدر وفاقد تعليمي.
انتقاء المعلمين
بدورها، قالت الموجهة الفنية للرياضيات بمنطقة مبارك الكبير، سلوى الكاظمي، إن رخصة مزاولة مهنة التعليم تهدف إلى التشدد في انتقاء معلمين كويتيين ووافدين أكفاء، قادرين على العطاء، مبتعدين عن دور الملقّن، وربط الخبرات بالمعرفة في مجال التكنولوجيا للمعلومات، وتشجيع الطلبة على التفكير والبحث، وهذا لا يمكنه أن يتم عبر قبول شهادات جامعية فقط.
وأضافت الكاظمي: «هناك أشخاص يحملون شهادات، لكنهم ليسوا بالكفاءة المطلوبة، لذا تهدف هذه الرخصة إلى تحديد مستوى المعلم لتسهيل تقييمه حسب كفاءته، ليعود النفع عليه وعلى طلابه، ولمواجهة التحديات تجاه تنفيذ مشروع رخصة المعلم هناك حاجة ماسة إلى جرأة وشجاعة القائمين عليه، ولدعم من أعلى القيادات في الدولة وفق استراتيجية واضحة تفصل تبعية المركز الوطني لتطوير التعليم واستقلاله بالكامل عن أي تدخّل سياسي».
وبينت أن رخصة المعلم «لا تساوي شيئا إذا لم تُبنَ على برنامج معتمد وفق معايير واضحة متفق عليها، يتم خلالها ربط التنمية المهنية للمعلم مع بدلاته المالية، وبالطبع لا تعليم جيدا بلا معلم جيد، فالمعلم الجيد يمكنه أن يدرّس منهجا سيئا، لكن لا يمكن لمدرس سيئ أن يدرّس منهجا جيدا».
وأفادت بأن تقرير التنافسية العالمية كشف عن تراجع مستوى جودة التعليم العالي والتدريب في الكويت، حيث احتلت المرتبة 95 من بين 137 دولة، وفي مؤشر مخرجات مراحل التعليم الأساسية، تراجع مستوى جودة التعليم الابتدائي وتعليم الرياضيات والعلوم، حيث حلّت الكويت في المرتبتين 104 و106 على التوالي، مضيفة أن هناك 9 مدرسين كيمياء كويتيين فقط، بينما 99 بالمئة من مدرسي التربية البدنية من الكويتيين، وفي المقابل هناك 42 ألف معلم كويتي و25 ألفا غير كويتي، أغلبهم يعاني ضعفا تأهيليا، وفق تصريحات وزارة التربية.
تجربة سنغافورة
إلى ذلك، أكد مراقب التعليم الابتدائي في منطقة الأحمدي التعليمية، د. محمد كراشي، أن الدول المتقدمة في التعليم طبقت هذه الرخصة، وهناك اهتمام كبير بتطوير وتنمية قدرات المعلمين، لافتا إلى أن سنغافورة طبّقت هذه الرخصة منذ سنوات، حيث يخضع المعلمون لديها للاختبار، وتجدد تراخيصهم بشكل سنوي بعد تلقيهم دورات مكثفة.
وأضاف كراشي أن «بعض المعلمين لدينا – بكل أسف – لا يعملون على تطوير أنفسهم، ولا يسعون إلى مواكبة التطورات التي تطرأ على التعليم، وبالتالي يشكّلون عبئا على المنظومة التعليمية»، لافتا إلى أنه لمس خلال وجوده في الميدان وجود فئة قليلة من المعلمين لا يريدون أن يعملوا، وبالتالي هم الذين يرفضون مثل هذه الأمور ويعارضونها.
وشدد على أهمية تطبيق رخصة المعلم، وإخضاع المعلمين لفحص دوري للتأكد من قدراتهم وتطوّرهم، مع الاهتمام بإعطاء المعلمين دورات تدريب مكثفة من قبل أشخاص ذوي اختصاص.
مجالات عدة
وذكرت رئيسة قسم اللغة العربية، د. شيماء بستكي أن «العالم يتغير من حولنا بسرعة كبيرة، ويشمل تغيّره شتى المجالات، ولا بدّ من مواكبة هذا التطور، ومتابعة المنجزات العصرية المتلاحقة، وإلّا اتسعت المسافة بيننا وبين الأمم المتقدمة، وزاد تراجعنا الحضاري، فالمعلمون جزء من هذا العالم، ولا بدّ أن يدركوا حجم هذه التغيرات وتنوّعها، ولا بدّ أن يتسلحوا بأسلحة العصر، وعلى المسؤولين تهيئة ذلك لهم بتدريبهم وتأهيلهم وإعدادهم».
وأضافت بستكي: «من ناحية أخرى، يجب على المعلمين أن يعلموا أن طلابهم يُقبلون على هذه الحياة الجديدة بنظرات جديدة وآمال وثّابة وتطلعات تناسب زمنهم، ولا بدّ من مراعاة ذلك، وتحقيقه لطلابهم وفق ثقافة أمتنا وعاداتنا وديننا»، مؤكدة أن واقع الميدان التربوي يفرض أن تكون رخصة المعلم قضية ملحّة وضرورية، تهدف إلى انتقاء المعلمين الأكفاء القادرين على العطاء، والمتمتعين بقدرات إبداعية من شأنها أن تبني المتعلمين الذين هم عماد الوطن ونواة المستقبل.
وأوضحت أنه في سبيل تحقيق هذا الهدف، لا بدّ من تنمية قدرات المعلمين وتطويرها عن طريق التدريب والإلمام بالأساليب العصرية في التعليم، وربط الخبرات بالواقع الحالي، وتشجيع المتعلمين على التفكير والتحليل والاستنباط، ومن هنا صار ضروريا أن يمتلك المعلمون المعرفة، ويتسلحوا بالعلم، ويطّلعوا على المنجزات التقنية الحديثة في مجال المعلومات والاتصالات، والتي تمكّنهم من بناء المتعلمين بناء علميا ومهاريا ونفسيا.
وأشارت إلى أنه يجب على المسؤولين في وزارة التربية تقدير المعلمين الموهوبين ماديا ومعنويا، وربط تفوقهم وإبداعهم بسلّم الترقيات الوظيفية، لافتة إلى أن الرخصة ستسهم في تحسين كفاءة المعلمين.
انتقاء الأفضل واستمرار الكفاءات من المعلمين
حددت الحكومة في الموقع الإلكتروني الخاص بخطة التنمية «كويت جديدة» عام 2024 موعداً للبدء في تنفيذ مشروع رخصة المعلم، الذي يعتبر أحد أعمدة رفع الكفاءة، إذ تعتبر مسألة تمهين التعليم من خلال رخصة يحصل عليها المعلم عبر اختبار يقيس معرفته، من المشاريع الرئيسية، حيث إن الرخصة تساعد في تحقيق انتقاء الأفضل، واستمرار ذوي الكفاءة من المعلمين في الميدان التربوي.
وباتت مسألة إعداد المعلم مطلبا مهما من خلال نظام رخصة المعلم، إذ إن المشروع يهدف إلى قياس كفايات محددة تعتبر ضرورية للتدريس الناجح، إضافة إلى إدخال نظام الرخصة المهنية لجميع وظائف المعلم ولكل مستوياته التدريسية والإشرافية، ووضع أسس قياس موضوعية لاختبار المعلمين وترقياتهم، وتقييم تطورهم المهني والعلمي، واختبار 500 معلم سنوياً قبل دخولهم مهنة التعليم، إضافة إلى رفع كفاءة المعلم المهنية من خلال التنمية المستمرة.
ويمنح المعلمون في المدارس الرخصة، كما سيتم توفير برامج التنمية المهنية المستمرة من خلال التوسع في برامج التدريب الخاصة بالمهارات والتطوير باستخدام أحدث وسائل التقنية.
الحمادي: تطوير مدخلات النظام لنصل إلى مخرجات جيدة
قالت المعلمة مناير الحمادي إن الرخصة المهنية لشاغلي الوظائف التعليمية مشروع نطمح في أن يرى النور قريبا، ويتم تطبيقه لتكون رخصة إلزامية تضمن حصولهم على كل المؤهلات والتدريبات لمزاولة المهنة، لافتة إلى أن التدريب والتطوير التربوي والتعليمي ركيزة أساسية في خطة أي مؤسسة تعليمية تسعى إلى النهوض والارتقاء بالتعليم.
الصايغ: واقع الميدان متهالك ولا بدّ من تحديثه
أكدت رئيسة قسم تربية فنية بوزارة التربية، خديجة الصايغ، أن واقع الميدان التربوي متهالك، ويكاد لا يصمد أمام التحديات والمستجدات الحديثة، فلا يزال هذا الواقع يستند إلى أسس وقرارات أصبحت غير مجدية في الوقت الحالي وغير مواكبة للحدث، وأصبح لزاما تطويره وتحديثه.