في وقت سجّل استهلاك المياه في الكويت الأعلى عالمياً، رغم فقرها المائي، أكد خبراء متخصصون لـ «الجريدة» أن الحرب القادمة في العالم، التي تدق طبولها في بعض الدول، ستكون حرب مياه وطاقة، وعلينا الاستعداد لها، داعين إلى إعادة النظر في أساليب إنتاج الطاقة والمياه في البلاد واستهلاكها، خصوصاً أن مثلث الاستهلاك الرئيسي يتكون من «هدر المياه، والتوسع العمراني الرأسي والأفقي، واستغلال المياه من دون عداد (سرقتها)»، متسائلين: متى نرى الكويت دولة مرشّدة للكهرباء والماء؟
قالت مصادر وزارة الكهرباء والماء، إن الشبكة الكهربائية والمائية في البلاد أثبتتا قوتهما وقدرتهما، بالرغم من ارتفاع درجات حرارة الطقس خلال الصيف الجاري الذي وصل إلى 50 درجة مئوية، دون انقطاعات تُذكر، إضافة إلى توفير المياه العذبة، مما يشير إلى السيطرة الكاملة على الشبكة الكهربائية والمائية، بالرغم من الظروف الطبيعية والمواسم المختلفة مثل شهر رمضان، أو موسم الامتحانات، والتي يرتفع فيها الاستهلاك، إلا أن استقرار الشبكتين كان هو سيد الموقف.
وبيّنت المصادر أن ارتفاع استهلاك المياه والطاقة في البلاد، لا بدّ أن يُعاد النظر فيه في ظل حروب عالمية قادمة على الطاقة والمياه، من خلال إعادة النظر في تقييم الاستهلاك للفرد، وإقامة مبادرات تتواكب مع التقدم العالمي لتخفيض الاستهلاك وتوعية المواطن بأهمية الترشيد في ظل زيادة استهلاك سنوية تتراوح بين 7 و8 بالمئة.
تقليل التكلفة
وأكد الباحث العلمي في مركز أبحاث المياه، د. محمد الراشد، أن هناك العديد من البحوث العلمية التي تسهم في تقليل تكلفة إنتاج المياه وتوفر على الدولة ملايين الدنانير، التي تصرف من خلال استخدام الوقود الأحفوري، ومن تلك التقنيات استخدام الأغشية الحرارية، مع استخدام الطاقة البديلة في الإنتاج.
وبيّن الراشد أن استخدام تلك الأساليب سيقلل من تكلفة الإنتاج بشكل كبير على الدولة، ويجعل تكلفة إنتاج المياه مقاربة لتحلية المياه العذبة الطبيعية، سواء النهرية أو الجوفية، مبيناً أن وزارة الكهرباء والماء حريصة على تحصيل مديونياتها من خلال الرسائل التي تصل إلى المستهلكين، وهي أساليب جيدة تنتهجها الوزارة.
وأضاف: من الحلول الجيدة التي يجب أن ينظر إليها كذلك إعادة النظر في شبكة المياه الصليبي، واستبدال تلك المياه بالمياه المعالجة (رباعية)، وهي مياه نظيفة بشكل يمكن استخدامها في الشرب، واستغلال تلك المياه في البيوت سيقلل من فاتورة إنتاج المياه في البلاد.
وأوضح أن دورات المياه بالمدارس من أكثر الأماكن استهلاكاً للمياه، لسوء صيانتها في بعض الأحيان، لذلك لا بدّ من الاهتمام بشكل أكبر بصيانة تلك الدورات، لتقليل التسريب الذي ينتج عنها واستخدام أجهزة مرشّدة بها، وتوجيه الطلبة ومشاركتهم لتركيب تلك المرشدات لنشر ثقافة الترشيد في المجتمع.
حافز للترشيد
من جهته، أكد عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للطاقة حمد الكليب، أن فكرة «حافز للترشيد» التي أعلنت عنها وزارة الكهرباء والماء من الأفكار الجيدة التي تحثّ الجميع على المشاركة في ترشيد استهلاك المياه والكهرباء، خاصة أنها تمنح المرشّد حافزاً عند ترشيده استهلاك المياه أو الكهرباء.
ولفت الكليب إلى أهمية وضع أنظمة لتقييم جميع المباني في مختلف قطاعات الدولة؛ سواء الحكومية أو الاستثمارية أو السكن الخاص أو الزراعة، ومعرفة الأسباب وراء الإسراف في الاستهلاك، مطالباً بوضع حلول جذرية لتلك المشكلة، من خلال العديد من الوسائل التي استحدثتها بعض الدول أقربها السعودية، التي تعمل بها نحو 47 شركة مرشّدة للمباني الحكومية، إذ بدأت الحكومة بنفسها في الترشيد، حرصاً منها على أن تكون قدوة للمواطن لديها في ترشيد استهلاك الكهرباء والماء.
منظومة الإنتاج
ووجّه اللوم في ارتفاع استهلاك المياه في الكويت بشكل عالمي إلى المنظومة القائمة في البلاد، داعياً إلى إعادة النظر في تلك المنظومة وإعادة تقييمها، مبيناً أن بعض الدول مثل ألمانيا غيّرت منظومة إنتاج الكهرباء والماء، وجعلت المواطن جزءاً منها، فأصبح ينتج كهرباء ويبيعها للدولة، لذلك أصبحت ألمانيا من أفضل الدول في ترشيد الاستهلاك، لكون المواطن لديها شريكاً في منظومة الإنتاج والإستهلاك.
وبيّن أن هناك بعض الصناعات تقوم على الدعم المقدم من الدولة في إنتاج الكهرباء والماء، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في تلك الصناعات القائمة على الدعوم، فهي في حقيقتها تعيد بيع هذا الدعم بطرق أخرى.
وقال الكليب إن ترشيد الاستهلاك لن يقوم فقط على مدى حب الشخص للوطن، ولكن لا بدّ من جدوى مادية تعود على المواطن المرشّد لفاتورة استهلاكه، من خلال الترشيد مثلما يطبق في العديد من دول العالم المتقدمة.
ولفت إلى أن تجربة السعودية في ترشيد الاستهلاك للمباني الحكومية رائدة، وهذه الفكرة مطبقة في الكويت بأحد الفنادق، حيث تقوم شركة فرنسية من خلال أنظمة معيّنة بترشيد الاستهلاك نظير الحصول على عائد من هذا الترشيد، فالجميع مستفيد من خلال تطبيق تلك الأنظمة.
وأثنى الكليب على طرح جمعية المياه على المجلس البلدي اقتراح إلزام القسائم الجديدة بإنشاء خط للمياه الرمادية لإعادة استعمال تلك المياه، مشيراً إلى أن هذا التوجه يسهم بشكل كبير في ترشيد المياه بالبيوت من خلال إعادة استخدام تلك المياه.
رصد التعديات
من جانبه، قال نائب رئيس فريق الضبطية القضائية في وزارة الكهرباء والماء، أحمد الشمري، إن الفريق بناء على القرارات الوزارية الصادرة، والتي تحفظ حق الوزارة في استغلال المياه دون عداد، أو العبث في عدادات الوزارة، أو هدر المياه يقوم بدوره برصد التعديات التي تقع على شبكة المياه من خلال تلقّي البلاغات، أو من خلال الخط الساخن أو من حسابات وزارة الكهرباء والماء.
وأشار الشمري إلى أن الفريق استطاع خلال السنوات الماضية الحد والقضاء بما نسبته 90 إلى 95 بالمئة من استغلال المياه بلا عداد، (سرقة المياه)، والتي كانت منتشرة قبل وجود الفريق ونزوله للميدان في 2015، مشيرا إلى أن هذا إنجاز يحسب للفريق.
وأضاف: تمكّن الفريق كذلك من الحد من سلوكيات هدر المياه، من خلال توجيه الإنذارات كمرحلة أولى، ومن ثم تحرير محضر إثبات حالة، يقوم العميل بعدها بمراجعة وزارة الكهرباء والماء لتوقيع تعهّد بعدم تكرار تلك السلوكيات الخاطئة، مع دفع جميع مستحقات الوزارة.
وبين أنه في حال تكرار هدر المياه يطبّق عليه غرامة ضعف الاستهلاك تحتسب من قبل لجنة تطبيق القانون رقم 48 على 2005، لافتاً إلى أن فريق الضبطية بذل مجهودا كبيرا في الحد من ظاهرة الإسراف في غسل الأحواش بالسكن الخاص، حتى أنه تم شنّ حملات على المؤسسات الحكومية التي يفترض بها أن تكون القدوة في المحافظة على الكهرباء والماء.
وتابع: فيما يتعلق بهدر المياه واستغلال المياه من دون عداد، فإنها لا تتجاوز خلال العام الحالي عن 20 محضرا، وذلك من خلال الحملات المستمرة التي يقوم بها الفريق بشكل دائم، مما انعكس إيجابا على الوفرة المائية نتيجة ضبط تلك التعديات.