ذكر تقرير «الشال» أن الفساد آفة تنخر كل قواعد البناء وقيم المجتمع، ولا فرصة لأي إصلاح لا يبدأ بمحاربة شرسة للفساد، وما دامت الكويت على شفا ولادة إدارة عامة جديدة فاختبار جدية الإصلاح يبدأ من هذه المحطة.
قال تقرير الشال الاقتصادي إن الفساد حاضر في كل دول العالم، فالإنسان جشع بطبعه ويبحث دائماً عن أقصر الطرق لتحقيق الثراء، ولذلك للفساد وسائل قياس رقمية تقيس مدى استشرائه مثل تصنيفات الأمراض المعدية، ومواجهته تحتاج إلى تطوير متصل للتشريع والرقابة والملاحقة كما يحتاج المرض إلى تطوير متصل للأدوية والأمصال، فهناك نسبة إصابة بأي مرض تتكرر كل عام، فيتحول إلى وباء عندما تبلغ الإصابة مستويات أعلى كثيراً من المعتاد، ثم إلى جائحة إذا بلغت الإصابة مستويات غير محتملة.
في قديم الكويت، كان هناك فساد مثل الاستيلاء على الأراضي العامة مع بداية وفرة إيرادات النفط، وفي عام 1952 هدد الشيخ عبدالله السالم باعتزال الحكم إذا استمرت عملية الاستيلاء، ولاحقاً وضع خطاً للتنظيم لحماية أملاك الدولة. حدث شيء مماثل في زمن ارتفاع مخصصات التثمين، أو عند توزيع أراضي السكن الخاص في المناطق الداخلية، ولكن نطاقه كان ضيقاً، وكانت قيم المجتمع عالية، إذ عند اكتشاف حالة فساد كان المشتبه به ينزوي ويتحاشى حضور المناسبات الاجتماعية، مثلما حدث مع أحد الوزراء.
استثمارات بائسة
تحول الفساد في الكويت إلى وباء في سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت، بدءاً من تجاوزات النصف الأول من السبعينيات حين تم إغفال عقاب بعض حالاته بعدما حققت فيها لجنة برئاسة وزير العدل، إلى تجاوزات في النصف الثاني منها، وحينها لم يكتف بالسكوت عنها وإنما تم تعويضها بنحو 150 مليون دينار من المال العام. ثم جاءت حقبة الثمانينيات، وبسبب أزمة المناخ وتورط مسؤولين فيها، تمت سرقة احتياطات الدولة المالية باستثمارات بائسة مثل «سانتا في» مقابل تشريع وصياغة حلول أزمة المناخ الباذخة، وفي النصف الثاني منها، تم استدعاء «دي لاروزا» الإسباني في سبتمبر 1986 للتخطيط لسرقة استثمارات الكويت من خلال مكتب لندن، ولم يلتفت إليها أحد. تحول الفساد بعد ذلك إلى جائحة عندما بدأت سرقة احتياطي الأجيال القادمة في زمن الاحتلال وما سبقها من استقالة ممثلي القطاع الخاص في مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار، ثم ما لحقها من اكتشاف سرقات قطاع النفط – ناقلات النفط، حتى أصبحت الكويت اسماً مشهوراً في المحاكم الإسبانية والبريطانية، وسقط حكم شهير حولها في المحاكم الكويتية. واستمرت الجائحة حتى وقت قريب، مع «التأمينات الاجتماعية» و«ضيافة الداخلية» و«صندوق الجيش» والصندوق الماليزي وغيرها كثير، وشمل بعض المؤسسات القيادية، وامتد إلى صغار القوم حتى باتت رسوم الفساد لتمرير المعاملات الحكومية تشمل معظم الخدمات، ولم تسلم الشهادات العلمية والهويات السيادية منه. نذكر كل ما تقدم فقط للتأكيد على أن الفساد آفة تنخر كل قواعد البناء وكل قيم المجتمع، وليس هناك فرصة لأي إصلاح لا يبدأ بمحاربة شرسة للفساد، وما دامت الكويت على شفا ولادة إدارة عامة جديدة، فاختبار جدية الإصلاح يبدأ من هذه المحطة. ومؤشرات مواجهة الفساد حتى هذه اللحظة لا توحي بالجدية، فإعادة فتح قضيتي صندوق الجيش والصندوق الماليزي جاءت لتحرك متضررين منهما في الخارج، وتحركنا وإن كان صحيحاً، جاء رد فعل لا يكفي ولا يوحي بعزم.