خالف بنك الكويت المركزي توقعات المحللين الأسبوع الماضي برفعه سعر الخصم بواقع ربع نقطة مئوية من 2.75 في المئة إلى 3 في المئة، رغم رفع المجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي سعر الفائدة بواقع 0.75 في المئة إلى 3.25 في المئة، وهي المرة الأولى منذ تاريخ العمل بالدينار في الكويت، التي تتجاوز فيها الفائدة على الدولار الأميركي نظيرتها على الدينار الكويتي.
ويأتي قرار «المركزي» ضمن سياسة غير معلنة اعتمدها أخيراً وهي «الرفع المتدرج لأسعار الفائدة» حتى لو واصل الفدرالي الأميركي عملية الرفع الممنهج لسعر الفائدة على الدولار إلى توقعاته المعلنة بواقع 4.4 في المئة في نهاية العام الحالي، إذ اتخذ بنك الكويت المركزي منذ مطلع العام الحالي قرارات برفع الفائدة على الدينار 6 مرات في كل مرة بربع النقطة المئوية، واحدة منها منفردة عن قرار الفدرالي الأميركي؛ ليرتفع سعر الخصم من 1.5 في المئة إلى 3 في المئة، في حين رفع الفدرالي سعر الفائدة 5 مرات، آخر 3 منها كانت بواقع 0.75 في المئة لكل منها، لترتفع اسعار الفائدة على الدولار من 0.25 في المئة إلى 3.25 في المئة.
«مهنية ومسؤولية»
ومع كثير من الثقة تجاه مهنية وكفاءة بنك الكويت المركزي من المؤسسات الدولية أو حتى الجهات المحلية المستقلة، فإننا أمام وضع مستجد يتطلب تعاملاً مختلفاً هذه المرة، وأول استحقاقات هذه المرحلة هما المسؤولية والشفافية في التعاطي مع المستجدات من جهة ضرورة طمأنة البنك المركزي للسوق من إبعاد الدينار عن أي ضغوط يمكن أن يتعرض لها، خصوصاً أن معظم مكونات سلة العملات المقومة للدينار «نحو 70 في المئة» هي من الدولار، الذي سجل مع نهاية الأسبوع الماضي أعلى سعر مقابل العملات الرئيسية منذ 20 عاماً، في حين شهدت المكونات الأقل في السلة كاليورو والجنيه الإسترليني خلال نفس الفترة تراجعاً مثّل أيضاً أقل سعر منذ 20 عاماً للعملة الأوروبية، وأدنى مستوى منذ 37 عاماً للعملة البريطانية، واتخذ معظم الاقتصادات الكبرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا سياسات برفع الفائدة بشكل استثنائي لمحاولة الحد من التضخم وتعهدت بكبحه لأدنى درجة ممكنة بعد بلوغه مستويات غير معهودة منذ 40 عاماً.
التضخم
صحيح أن سياسات الحد من التضخم في دولة كالكويت مرتبطة بمجموعة من العوامل كمحاربة الاحتكار وتوطين الصناعات وغيرها، وليست مرتبطة بصورة أساسية بأسعار الفائدة كحال الاقتصادات الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة، لكن اعتماد الكويت على الاستيراد بنسب مرتفعة تتجاوز 90 في المئة خصوصاً في قطاعي الأغذية والأدوية وسط ارتفاع الدولار مقابل الدينار يجعل مؤشر أسعار السلع في الكويت أكثر غلاء، ويفتح مجالاً للتساؤل عن هدف أولوية المحافظة على سعر فائدة منخفض قدر الإمكان عند نحو 2 في المئة، هل يستهدف المحافظة على أسعار الأصول كالأسهم والعقار أم يراعي احتياجات السوق من السلع لا سيما الأدوية والأغذية والعديد من المواد والبضائع الاستهلاكية؟
تسرب الودائع
لا شك أن تجاوز سعر الفائدة على الدولار نظيراتها على الدينار، ولو بربع نقطة أساس وربما أكثر لاحقاً إذا تباطأ المركزي الكويتي عن المواكبة سيفرض على «المركزي» مسؤولية متابعة سوق الودائع في البنوك المحلية، ومدى ارتفاع الودائع بالعملات الأجنبية مقارنة بالودائع بالدينار الكويتي، خصوصاً أن البيانات الرسمية حتى نهاية يوليو الماضي تشير إلى أن الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك المحلية ارتفعت خلال 5 أشهر – أي قبل انتهاج الفدرالي سياسة رفع الفائدة هذا العام – بقيمة تعادل 279 مليون دينار أي بنسبة 10.8 في المئة لتصل إلى 2.847 مليار دينار، في حين ارتفعت الودائع بالعملة المحلية خلال نفس الفترة المقارنة بقيمة 1.806 مليار دينار أي بنسبة 3.97 في المئة لتبلغ 47.270 مليار دينار شاملة ودائع القطاعين العام والخاص حتى نهاية يوليو الماضي في مؤشر يعكس قابلية المستثمرين على الودائع بالعملات الأجنبية أكثر من الودائع الدينار الكويتي.
كذلك من المهم أن يتابع المركزي مدى تسرب الودائع من المصارف الكويتية إلى البنوك الخليجية خصوصاً أن أصحاب الودائع سيكون لديهم خيار تحويل أموالهم إلى ودائع بالعملات الخليجية الأخرى ذات أسعار الفائدة الأعلى، علماً أن بعض هذه العملات ذو سعر صرف ثابت مقابل الدولار، مما قد يعطي درجة الطمأنينة لدى المستثمرين ضمن عائد أعلى.
إعلان السياسة
في الحقيقة، فإن إعلان المجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي عن تصوراته لمتوسط سعر الفائدة على الأموال الفدرالية صعوداً في نهاية عام 2022 إلى 4.4 في المئة إلى 4.6 في المئة لعام 2023 ليتراجع في عام 2024 إلى 3.9 في المئة مع توقع أن يبلغ 2.9 في المئة في عام 2025 ضمن سياسة معلنة لخفض التضخم البالغ حالياً 8.5 في المئة إلى 2 في المئة فقط، قد يفرض على بنك الكويت المركزي مسؤولية إعلان سياسته التدريجية الخاصة بعلاقة سعر الفائدة على الدينار مقارنة بالدولار وإلى أي مدى سيكون الهامش ما بين العملتين «ربع نقطة أو نصف نقطة أو أكثر»، وكيف سيتدخل المركزي للمحافظة على السعر التثبيتي للدينار مقابل مختلف العملات الأجنبية، فضلاً عن المعطيات التي يرتكز عليها «المركزي» عند اتخاذ قرار رفع الفائدة مستقلاً عن اجتماعات «الفدرالي» وغير ذلك العديد من الأسئلة.
اعتراف باول
من المحتمل ولو على نطاق ضيق أن «المركزي» الكويتي لم يتوقع منذ البداية تصاعد معدلات الفائدة على الدولار لمستواها القياسي الحالي، وهو أمر لا يقلل من مهنية البنك ولا المحافظ باسل الهارون نظراً إلى تعقد المشهد الاقتصادي العالمي من نواحي آثار الحرب الروسية – الأوكرانية إلى أزمة أسعار الطاقة والتضخم، وصولاً إلى البيانات الاقتصادية الضعيفة في شرق آسيا، بل إن جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي نفسه اعترف في مارس الماضي بأن «الفدرالي» كان يجب أن يتصرف أبكر في وقت سابق واصفاً تأخره بـ «الإدراك المتأخر».
دعوة لمؤتمر
لاشك أن عقد بنك الكويت المركزي مؤتمراً اقتصادياً مفتوحاً لوسائل الإعلام مناسبة جيدة لشرح السياستين النقدية والمالية خصوصاً تجاه سعر الخصم وسعر الدينار والضغوط التي تواجهه، كذلك سيكون فرصة لمناقشة تساؤلات تنتظر الإجابة منذ مدة خاصة بأوضاع الجهاز المصرفي كالاندماجات بين البنوك أو عمليات التحول والرخص الرقمية في البلاد… مثل هذا المؤتمر وما ينتج عنه من إيضاحات قد يجعل المهتمين أكثر فهماً لسياسات بنك الكويت المركزي الأخيرة.