بعد إخفاق الإدارات المتعاقبة في إيجاد حلول لمشكلة باتت ترهق القضاء الكويتي وتزيد ككرة الثلج، يجد مجلس القضاء الجديد نفسه أمام معضلة تراكم الطعون أمام محكمة التمييز والتي وصلت حتى الآن إلى نحو 60 ألف طعن.
بينما يشهد القضاء الكويتي ولادة مجلس جديد للقضاء بعد انتهاء ولاية المستشار أحمد العجيل لبلوغه سن السبعين عاماً تتجه الأنظار نحو تعيين رئيس للمجلس وعدد من الأعضاء بعد شغور مقعدَي المستشار العجيل، والمستشار علي المطيرات الذي كان يتولى منصب نائب رئيس محكمة الاستئناف.
ويواجه المجلس الجديد بقيادة كل من المستشار محمد بن ناجي، والمستشار د. عادل بورسلي، والمستشار عبداللطيف الثنيان، وبقية الأعضاء في المجلس جملة من القضايا أهمها التأخير في الفصل في الطعون امام محكمة التمييز والدعاوى الجزائية امام محاكم الجنح، والجنح المستأنفة، كما يواجه قضية التحول الإلكتروني في المحاكم والإدارات المساندة لها، وزيادة عدد الدوائر القضائية وتكويت القضاء.
60 ألف طعن
وأبرز المشاكل التي باتت ترهق القضاء الكويتي وتزيد ككرة الثلج هي قضية تراكم الطعون امام محكمة التمييز التي بلغت اعدادها حتى الآن 60 ألف طعن متراكمة بمخازن المحاكم في قصر العدل، وذلك بعدما اخفقت الإدارات المتعاقبة في ايجاد حلول لهذا الملف الذي بدأت احداثه قبل عام 2014 عندما اعلن رئيس محكمة التمييز ورئيس المجلس الأعلى للقضاء في حينها المستشار يوسف المطاوعة عن بلوغ الطعون المتراكمة 24 ألفا، وعندما تولى المستشار العجيل رئاسة مجلس القضاء منذ اكتوبر 2020 وأعلن بلوغها 42 ألفاً، بينما وصلت اعداد الطعون ونحن في منتصف اكتوبر الجاري الى 60 ألف طعن متراكمة ودون توقف او مواجهة تذكر من قبل القائمين على ادارة المحكمة!
تعديل قانون المرافعات
ومثل هذا التراكم يعني التأخير في الفصل في القضايا المعروضة امام المحاكم وعدم الحسم بالمراكز القانونية لأطراف القضايا اكثر من 10 سنوات بسبب فقدان الإدارة القضائية للحلول الواقعية للتعامل مع هذا الملف، والذي سبق أن تم طرح العديد من الأفكار والحلول الداعية لإنهائه.
ويأتي في مقدمة الحلول تعديل قانون المرافعات برفع قيمة كفالات الطعن بالتمييز الى مبالغ تعكس جدية التقاضي امام محكمة التمييز برفعها على الأقل بمبلغ 300 دينار بدلاً من الكفالة الحالية والمقدرة ولأكثر من 30 عاما بقيمة 100 دينار، فضلاً عن تقليص فرص الطعن على الأحكام أمام محكمة التمييز.
كما أن الأمر يحتم زيادة عدد الدوائر القضائية في محكمة التمييز وزيادة عدد قضاتها مع امكانية عقد جلسات مسائية لمواجهة الأعداد المتزايدة من الطعون، ومن دون تلك الحلول الواقعية المباشرة يصعب الحديث عن حلول لقضية تراكم الطعون امام محكمة التمييز.
كما ان قضية زيادة اعداد قضايا الجنح والجنح المستأنفة هي الأخرى تلقي بظلالها على معاناة المتقاضين والمحامين بعد تحديد مواعيد بعيدة تصل الى عام 2025 للفصل في قضايا معارضات الجنح والجنح المستأنفة بسبب كثرة قضايا الجنح وعدم ايجاد آليات لحفظها في المحاكم والاعتماد على آليات الحفظ الموجودة لدى الإدارة العامة للتحقيقات التي أسهمت في تأخير القضايا والتأخير في نظر معارضات الجنح والاستئنافات المعروضة امام دوائر الجنح المستأنفة لسنوات طويلة، وهو ما يتسبب من جانب آخر في سقوطها بالتقادم بسبب مضي خمس سنوات على اتخاذ آخر إجراء جزائي في مواجهتها، وهو الأمر الذي سيؤدي الى حرمان الدولة من تقاضي الغرامات المالية التي تتقرر بحق المخالفين في تلك القضايا بسبب الإهمال الكبير في التعامل مع هذا الملف الذي أرهق المتقاضين وحرم الدولة تحصيل المخالفات التي يتعين أن تؤول إلى الخزينة العامة.
أما الملف الثالث والمهم الذي يتعين على المجلس مواجهته فهو قضية التحول الإلكتروني في المحاكم، والعمل على تعديل قانون المرافعات بما يضمن انفاذ إجراءات التحول الرقمي في المحاكم والنيابة العامة والإدارات المساندة لهما في ظل رقمنة الخدمات التي تقدمها الدولة، والتي يتعين أن يكون في مقدمتها القضاء.
الإعلان الإلكتروني
كما يتعين على المجلس، وهو بصدد مناقشة التحول الرقمي، بيان الإجراءات التي وصلت إليها قضية الإعلان الإلكتروني، والتي مازالت متعطلة بسبب عدم رغبة هيئة المعلومات المدنية في اعتماد سجل مدني إلكتروني للشركات والمؤسسات وإدخالها تطبيق هويتي، وهو ما سوف يؤدي إلى إتمام الإعلان فيما لو تم بنسبة 80 في المئة أو أكثر.
قضايا أمام المجلس
والمجلس الأعلى للقضاء مُطالب ببحث ومناقشة العديد من القضايا التي توقّفت لأكثر من 10 سنوات وكانت على طاولة البحث وربما الإقرار، وهي قضايا الاستقلال المالي والإداري عن وزارة العدل وسلطات وزير العدل الواردة بالقانون، وتوفير الاحتياجات المساندة لأعضاء السلطة القضائية؛ كالإسراع بافتتاح نادي القضاة المهمل لسنوات، وإقرار صندوق للضمان الاجتماعي والتعليمي، وإقرار التأمين الصحي، وإيجاد آليات لتوفير العلاج بالخارج لهم ولأسرهم شأنهم شأن العديد من القطاعات الملتفت الى مطالبها.
كما أن المجلس الأعلى للقضاء مطالَب بالالتفات الى الدور الذي يقدّمه جهاز التفتيش القضائي، وتقييم تجربته، ودعم هذا الجهاز، وتوفير كل الآليات التي تنهض بأدائه وتمكينه من ممارسة صلاحياته، فضلا عن الإسراع بتعديل قانون تنظيم القضاء، بما يسهم في إبعاد أشكال التدخل الإداري بعمل القضاء والنيابة العامة من قبل الوزارة، والتفتيش على أعمال القضاة بجميع درجاتهم وحتى درجة وكيل محكمة التمييز، والعمل على توقيت المناصب القضائية بما ينعكس على جودة العمل في إدارة المحاكم والنيابة، كما أن المجلس مُطالب كذلك بأن يلتفت الى بحث تجربة معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية، وتطوير هذه التجربة ودعمها، وكيفية النهوض بها واحتياجات هذه التجربة المهمة التي تسهم في رفع كفاءة أعضاء السلطة القضائية.
الكثير من الشجون والمتاعب يعيشها القاضي الكويتي ترتبط بسلامة المنظومة التي يعمل بها داخل المرافق القضائية، وتستدعي بحث طرق معالجتها مع المكلفين بإدارة المشهد الواقعي للمحاكم.