ترددت في أن أدلي برأيي في الخلاف الدائر الآن بين الحكومة التي استصدرت مرسوما بدعوة مجلس الأمة الجديد إلى أول اجتماع له يوم الثلاثاء القادم وبين من تصدوا لهذا المرسوم لمخالفته للدستور، ومن بينهم (41) نائباً قرروا عقد اجتماع اليوم، والفارق بينهما يومان، الأمر الذي استهان البعض بهذا الخلاف، إلا أن الأمر أعظم خطراً وأبعد أثراً لأنه قد يعرض انتخاب رئيس المجلس للبطلان، ذلك أن رأيي في هذا الخلاف لم يكن ليخرج عن رأي البعض الذي تصدى لهذا المرسوم لمخالفته أحكام المادة (87) من الدستور، ولكني استجابة لطلب بعض المعنيين بهذا الأمر، وللتداعيات المترتبة على اجتماع الثلاثاء من تعريض قرارات المجلس، لو تم الاجتماع في هذا اليوم للبطلان، رأيت أن أدلي برأيي في هذا الخلاف.
انتخاب الرئيس
ذلك أن أول اجتماع للمجلس سيتم فيه انتخاب رئيس مجلس الأمة إعمالاً لأحكام المادة (92) من الدستور التي تنص على أن: «ينتخب مجلس الأمة في أول جلسة له، ولمثل مدته، رئيسا ونائب رئيس من بين أعضائه»، فاجتماع المجلس يجب أن يكون صحيحا، حتى لا يتعرض انتخاب الرئيس للطعن عليه بالبطلان، إعمالا للمادة (90) من الدستور، التي تنص على أن «كل اجتماع يعقده المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه يكون باطلا، وتبطل بحكم القانون القرارات التي تصدر فيه»، الأمر الذي يقطع بأن المحكمة الدستورية ستقضي ببطلان انتخاب الرئيس، إذا تم انتخابه في يوم الثلاثاء وذلك إذا طعن في قرار انتخابه أمامها، باعتباره طعنا انتخابيا مما تختص به، وهو طعن متوقع بيقين من أي منافس له في هذه الانتخابات.
وغني عن البيان فإن الرئيس المنتخب أو إدارة الفتوى والتشريع لن تستطيع دفع دعوى البطلان بالاستناد إلى ما قررته المذكرة التفسيرية للدستور في تفسيرها للمادة (90) من الدستور من «أن نص هذه المادة لا يمنع دستوريا من اجتماع المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه، إذا دعت الضرورة لذلك وفقا لنظرية الضرورة وبشروطها القانونية المقررة». حيث لم يستدل على أن ثمة ضرورة دعت الحكومة إلى تجاوز الأسبوعين اللذين حددتهما المادة (87)، من الدستور في مرسوم الدعوة لعقد أول اجتماع للمجلس الجديد في خلالهما.
المادة (87) المفترى عليها
وبادئ ذي بدء فإن المادة (87) من الدستور لا يجوز تفسيرها بمعزل عن سائر نصوص الدستور المتعلقة بعقد اجتماعات المجلس في الأدوار التالية لأول اجتماع في الفصل االتشريعي، والذي اختصت بتحديده المادة (87)، فالمادة (85) حددت لكل دور من أدوار انعقاد المجلس السنوية مدة لا تقل عن ثمانية أشهر، والمادة (86) ألزمت المجلس بعقد أدوار انعقاده السنوية العادية في شهر أكتوبر من كل عام، كما حددت المادة (83) مدة مجلس الأمة بأربع سنوات، الأمر الذي يقطع بأن هذه المدد والمواعيد- كما قررت المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم (10) لسنة 2002- «هي قواعد آمرة، وليست محض قواعد توجيهية يستباح في شأنها الخيار بين تطبيقها أو عدم تطبيقها أيا كانت الاعتبارات التي تحدو الى ذلك».
وفي هذا السياق أيضاً فإنه لا يجوز في مجال تفسير نصوص الدستور أن يفسر أي نص منها، وكأنه هائم في فراغ، وبمعزل عن نصوص الدستور الأخرى التي ترتبط به، وتكون معا مقاصد الدستور، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية في تفسيرها سالف الذكر للمادتين (83) و(87) من الدستور، أي في سياق المادة الأخيرة المفترى عليها، حيث قررت أن استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية وفقا لمناهج التفسير إنما يقتضي دوما التوفيق بين النصوص باعتبارها محددات ومكملات بعضها لبعض، وترجيح المفاد الذي لا يقوم معه التعارض بين أي منهما والآخر.
وحيث تنص المادة (87) من الدستور على أنه «استثناء من أحكام المادتين السابقتين يدعو الأمير مجلس الأمة لأول اجتماع يلي الانتخابات العامة للمجلس في خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات، فإن لم يصدر مرسوم الدعوة خلال تلك المدة اعتبر المجلس مدعواً للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين مع مراعاة حكم المادة السابقة».
وفي مجال تفسير هذا النص واستخلاص دلالته وفقا لمناهج التفسير تحرياً لمقاصد المشرع الدستوري منه، ووقوفاً عند الغاية التي استهدفت من تقريره والغرض المقصود منه والذي يفترض أن يكون النص معبراً عنه يدل الدستور بهذا النص على أربعة أمور متلازمة هي:
الأمر الأول: أن أول اجتماع لمجلس الأمة بعد انتهاء الانتخابات العامة يجب أن يعقد خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات إنفاذاً للإرادة الشعبية التي عبرت عنها جماهير الناخبين في اختيار ممثليها للمجلس الجديد.
الأمر الثاني: وجوب صدور مرسوم بدعوة المجلس لأول اجتماع خلال الأسبوعين المذكورين، وهي آلية شكلية لإنفاذ حكم الدستور في انعقاد المجلس الجديد خلال أسبوعين من تاريخ انتهاء الانتخابات العامة.
الأمر الثالث: يعتبر المجلس مدعواً للاجتماع في صباح اليوم التالي لهذين الأسبوعين إذا لم يصدر مرسوم الدعوة خلال الأسبوعين المذكورين، بما يرسخ المعنى المستفاد من الفهم الصحيح للمادة (87).
الأمر الرابع: وهو ما استهلت به هذه المادة أحكامها من أن هذه الأحكام هي استثناء من أحكام المادتين السابقتين، سواء مدة انعقاد أدوار انعقاد المجلس السنوية (مادة 85) أو ميعاد انعقاده في شهر أكتوبر من كل عام، أو ما ورد في عجز المادة (87) من أنه إذا صادف اجتماع المجلس عطلة رسمية اجتمع المجلس في صباح أول يوم يلي تلك العطلة.
وفي إطار التوفيق بين الأحكام مفاد المادة (87) في الأمور الأربعة التي سردناها فيما تقدم بما يجعل بعضها يفسر بعضاً، وكل حكم منها لا يجوز فهمه بمعزل عن الآخر، الأمر الذي يتطلب إمعان النظر في تلك الأحكام بوصفها متآلفة فيما بينها متجانسة معانيها، متضافرة توجهاتها بما لا تنفلت معها متطلبات تطبيقها أو تبتعد عن الغابة المطلوبة منها، فإن الحكم الوارد في الأمر الأول هو الحكم المقصود من النص، والذي يعبر تعبيراً صحيحاً ومحمولاً عليه، والمفهوم الصحيح لأحكام هذه المادة هو أن الميعاد المحدد فيها هو ميعاد لأول اجتماع في الفصل التشريعي، بما يستتبعه من وجوب صدور مرسوم دعوة المجلس لهذا الاجتماع خلال الأسبوعين المذكورين من تاريخ انتهاء الانتخابات العامة، فإن لم يصدر مرسوم الدعوة في خلال هذين الأسبوعين اجتمع المجلس في اليوم التالي لانقضاء الأسبوعين، فإن صادف هذا اليوم عطلة رسمية اجتمع في أول يوما بعدها.
وهو حكم يتطابق مع الحكم الوارد في المادة (86) السابقة عليها مباشرة والتي أوجبت صدور مرسوم الدعوة لأول اجتماع لأدوار الانعقاد التالية قبل شهر أكتوبر، وفي حالة عدم صدوره قبل هذا الشهر انعقد المجلس بقوة القانون يوم الثالث منه، وبذلك يكون مرسوم الدعوة إلى اجتماع المجلس صادرا عن سلطة مقيدة لا تقدير فيها لرئيس الدولة في تحديد ميعاد اجتماع المجلس الجديد بما يجاوز هذين الأسبوعين، ويقتصر تقديره على اختيار يوم من أيام هذين الأسبوعين.
ولا قبل لرئيس الدولة بتجاوز الأسبوعين المذكورين ولو بيوم واحد، والقول بغير ذلك معناه إطلاق سلطة المرسوم في عقد أول اجتماع في أي تاريخ للأسبوعين، ويصبح تحديد يوم اجتماع المجلس الجديد أمراً مباحاً ومستباحاً للسلطة التنفيذية، فلها تحديده بعد شهر أو شهرين من انتهاء تلك الانتخابات، ويصبح تطبيق النص الدستوري رهناً بإرادة السلطة التنفيذية، بل يصبح الحكم الديموقراطي ذاته رهناً بإرادتها، حيث يقوم نظام الحكم في الكويت على أساس مبدأ الفصل بين السلطات وفقاً لأحكام (50) من الدستور.
اجتماع اليوم صحيح دستورياً
باعتباره اليوم التالي لانقضاء الأسبوعين المذكورين، بعد العطلة الرسمية يوم الجمعة، ويوم الراحة السبت، ولو امتنعت الحكومة عن حضوره وهو المتوقع، طالما لم تسحب مرسوم الدعوة الذي وجهته إلى اجتماع يوم الثلاثاء، وهي على العموم جلسة إجرائية، سينتخب فيها رئيس المجلس وقد وعد سمو نائب الأمير بنية الحكومة الوقوف على الحياد في انتخابات الرئاسة وانتخابات اللجان.
ولا يفوتني أن أؤكد في الوقت ذاته على أن حضور الحكومة اجتماعات المجلس هو التزام عليها والتزام على المجلس أيضا احتراماً لحقوق العضوية التي كفلها الدستور للوزراء غير المنتخبين، دون أن يخل ذلك بنصاب انعقاد المجلس.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.