فجّرت نقابتا الأطباء والعاملين بالجامعة مفاجآت جديدة بقضية التلوث البيئي في كلية الطب بكشفها عن مستندات رسمية من بعض الأقسام العلمية بالكلية لعدد من أعضاء هيئة التدريس ممن كانوا يشتكون من أعراض صحية عديدة نتيجة استنشاقهم لأبخرة مواد كيميائية ضارة خلال فترة عملهم، التي امتدت لسنوات، دون تحرك فعلي من إدراتي كلية الطب ومركز العلوم الطبية لحل مشكلة التلوث البيئي بتلك المختبرات الطبية والأقسام العلمية التي يعمل بها أعضاء الهيئة التدريسية.
وقالت القوى النقابية في بيان صحافي بأنها صرحت يوم الأربعاء الماضي باكتفائها بما نشرته من أدلة ردا على الاتهامات التي شككت بنواياها، وأكدت عدم رغبتها نشر مزيدا من الأدلة حرصا على المصلحة العامة، إلا أنها فوجئت بتحدي وزير التربية د.بدر العيسى لها بتصريح شكك مجددا بصدق أدلتها، بل وادعى أنه قام بعرض أدلة النقابات على مجلس الجامعة وقد نوقشت وكان هناك ردود عليها بما حدا بمجلس الجامعة لرفض توصية الهيئة العامة للبيئة العامة للبيئة بالإغلاق الفوري للمشرحة.
وفي ذلك قالت النقابتين بأنهما قد أشادتا بالعيسى في بداية قضية التلوث البيئي لأنه أمر بالإغلاق الفوري للمشرحة، إلا انه سرعان ما غير رأيه وموقفه – بتصريحه الأخير – لأسباب مجهولة لا نعلمها، لذا فقد وجب علينا تفنيد تصريحه بالآتي :
أولا : قال الوزير العيسى “أنه لا يستطيع الإغلاق الفوري للمشرحة حتى لا يتأثر سير العملية التعليمية للطلبة”.
وهو كلام مرسل لا سند أو صحة له، فإضافة إلى أن مصلحة الطلبة توجب تأمين سلامتهم وحمايتهم من أبخرة “الفورم ألدهايد” السامة المنتشرة بنسب عالية بالمشرحة، والتي على أثرها أوصت الهيئة العامة للبيئة بالإغلاق الفوري لها، إضافة لذلك فإنه لم يعد هناك أي دروس عملية بمادة التشريح لأي من دفعات طلبة كلية الطب أو طلبة مركز العلوم الطبية ممثلين بكليات طب الأسنان والصيدلة والطب المساعد، سوى دفعة السنة الثالثة بكلية الطب الذين لا يتجاوز عددهم (100) طالب وطالبة تستطيع كلية الطب توفير البديل الآمن لهم بدقائق معدودة إذا أرادت ذلك، فكلية الطب زاخرة بالمختبرات الطبية البديلة والوزير العيسى يعلم عن كل البدائل المتاحة التي أخبرناه بها، ونحن مستعدين لتزويده بالخطة البديلة التي قدمناها له والتي يبدو أنه قد أضاعها.
فالعيسى ليس بغريب على الجامعة ليخرج بمثل تلك الأعذار “غير المقنعة” لأنه خرج من رحمها للوزارة، وهو يعلم تمام العلم أنه بمجرد طلب جداول المواد التدريسية لطلبة كليات الطب والأسنان والصيدلة والطب المساعد فسيكتشف أنه لم يعد يوجد أي التزامات تعليمية للمشرحة سوى لدفعة السنة الثالثة بكلية الطب بعدد محدود من الطلبة، والبدائل المتاحة كثيرة لحمايتهم من تلوث المشرحة، فمصلحتهم هي بتجنب استنشاقهم للهواء الملوث وليس بإجبارهم على استنشاقه بزعم أنهم ملزمين بالدراسة !
ثانيا : يقول الوزير العيسى بأن “كل الكويت ملوثة وليس كلية الطب فقط !”.
وهو يريد بذلك التقليل من خطورة الوضع البيئي، وهو تصريح “غير مسئول” ويدل على اللامبالاة والاستهتار بصحة وسلامة الدارسين والعاملين بكلية الطب ومركز العلوم الطبية، وإلا فكيف يبرر وزير – أقسم أمام الله بالذود عن مصالح الشعب والدفاع عنه – يبرر هذا التلوث البيئي الخطير بمواد كيميائية سامة بأنه ليس بالشيء الجديد فكل الكويت ملوثة ؟!
وذا ما استرجعنا تسلسل الأحداث بهذه القضية البيئية الخطيرة فسنجد أنه قد تدرج من الإنكار الكلي للتلوث إلى الإقرار الضمني وصولا “لسيد الأدلة” بالاعتراف بهذا التلوث الذي لم يكن ليقر به العيسى لولا الأدلة التي نشرتها نقابتا الأطباء والجامعة بوسائل الإعلام، فأول التصريحات الصحافية لعمادة كلية الطب كان بإنكارها التلوث البيئي واتهام النقابات بعدم امتلاكها الأدلة وتشويهها لسمعة الكلية لأغراض مشبوهة، وبعد كشف النقابات أحد الأدلة التي تمتلكها قام مسئولي مركز العلوم الطبية بعقد مؤتمر صحافي يؤكدون فيه بوجود ارتفاع بنسب الفورم الدهايد ببعض الأماكن إلا أنها غير مؤثرة، وبعد كشف النقابات لدليل آخر، وهو كتاب مديرة الإنشاءات والصيانة بالجامعة الذي يؤكد وجود تلوث بيئي بالكلية منذ (2011) ولم يتخذ بشأنه أي إجراء، خرج وزير التربية بتصريحه الأخير ليؤكد أن التلوث موجود بالكويت وليس في كلية الطب فقط !
وهو التصريح الذي يستوجب المسائلة وأن لا يمر مرور الكرام، فمثل تلك التصريحات “غير المسئولة” لا يمكن قبولها من شخص بمنصب وزير بدولة مؤسسات يجب عليه مراعاة المصلحة العامة والدفاع عن حياة وصحة العاملين والدارسين بمركز العلوم الطبية، وليس بتبرير هذا التلوث البيئي بأن الكويت كلها ملوثة !
وهو ما يدفعنا لسؤال العيسى: فإذا فرضنا أننا قمنا بإبلاغك عن سرقة قام بها أحد قياديي أو مسئولي وزارتك بملايين الدنانير، فهل سيكون ردك على هذه السرقة بأن “الديره كلها قاعده تنباق” وليس وزارة التربية فقط ؟!
ثالثا : رد الوزير العيسى على السؤال الذي توجه له عن طلب محاسبة المتسببين بقضية التلوث البيئي بالقول “دعونا نحل المشكلة أولا ومن ثم التحقيق لاحقين عليه”.
وهذا الرد يدفعنا للتساؤل – طبعا إن فرضنا أنه ستكون هناك أصلا محاسبة – بكيفية “المحاسبة اللاحقة” في وقت يلزم فيه القانون الوزير بمثل هذه الأحوال بتعليق أعمال إدارتي كلية الطب ومركز العلوم الطبية حفاظا على الأدلة والمستندات والمراسلات التي بحوزة الإدارتين ؟!، خصوصا وأنهما قد ضللتا الرأي العام بنشر مغالطات إعلامية كما أثرتا على قناعة مجلس الجامعة بإخفاء الحقائق والكتب الرسمية التي تؤكد التلوث البيئي بالكلية.
رابعا : أكد الوزير العيسى “بعدم إمكانية إثبات الربط بين التلوث البيئي والإصابة بمرض السرطان، كما أنه سأل هذا السؤال بمجلس الجامعة وأجيب بأنه لا يوجد شيء موثق على هذا الأمر”.
وهو بذلك قد كشف نصف الحقيقة دون أي يبين نصفها الآخر، لأن الحقيقة الكاملة تؤكد أنه إن لم يكن هناك إثبات لذلك الربط فإن الأكيد أن العيسى لن يستطيع إنكاره، ذلك مع التأكيد أن هناك دراسات علمية ربطت بين فرص الإصابة بالسرطان مع التعرض لبعض الملوثات البيئية “كالفورم ألدهايد”، ومن الخطير جدا أن يراهن الوزير ومجلس الجامعة على النصف الأول من الحقيقة والإغفال عن نصفها الآخر وطمسه بالرغم من أن تقرير هيئة البيئة أوصى بالإغلاق الفوري للمشرحة بسبب التلوث.
وهو ما يجعلنا نتساءل: كيف لأعضاء مجلس الجامعة وهم يتسامرون الحديث بشرب الشاي وأكل البسكويت، تحت هواء المكيفات المزودة بأجود أنواع الفلاتر وأنقاها، باتخاذ مثل هذا القرار والمغامرة بحياة مرتادي الكلية في وقت كثرت فيه شكاوي العاملين من إصابتهم بأعراض صحية خطيرة نتيجة الملوثات البيئية ؟!، فهذا القرار يدفعنا للمطالبة بنقل مكاتب أعضاء المجلس للمشرحة ومزاولة أعمالهم بالمختبرات الملوثة لنرى إن كانوا سيصرون على قرارهم هذا برفض تنفيذ توصيات هيئة البيئة ؟!
خامسا : قال الوزير العيسى “بأن من لديه أي أدلة على إصابة أعضاء الهيئة التدريسية بالسرطان فليقدمها”.
وهذا تشكيك بمصداقية الأدلة التي تملكها نقابتي الأطباء والجامعة اللتان لا تملكان إلا والاستجابة لطلب الوزير بنشر هذا الدليل – مع بيانهما الصحافي – وهو عبارة عن جدول يؤكد تسجيل إصابة أعضاء هيئة تدريسية بأعراض ومشاكل صحية عديدة منذ عام (2011) نتيجة استنشاقهم لأبخرة الملوثات البيئية بالكلية ومن ضمنها الفورم ألدهايد، حيث كان من ضمن تلك الأعراض الصداع، التهاب الجفون، احمرار وحرقة العين، طعم غريب بالفم، تغير بحاسة الشم، تنميل، صعوبة بالتنفس، شلل بالوجه، بل وقد أصيب أحد الذين اشتكوا من التلوث بسرطان نادر بالمرئ، ويستطيع العيسى التأكد بنفسه من اسم هذا الأستاذ.
فعوضا من التشكيك بصدق نوايا النقابات والتقليل من خطورة الوضع البيئي كان الأولى بالعيسى أن يحمي الدارسين والعاملين بتنفيذ توصيات الهيئة العامة للبيئة وليس بامتهان “الجدل العقيم” بوسائل الإعلام وطلب إثباتات لما تدعيه، فالدراسات العلمية تؤكد أن تلك المواد الكيميائية لها مضاعفات صحية خطيرة أخرى ولا تقتصر على الإثبات الذي يطلبه العيسى بالسرطان، وكان يستوجب عليه حماية الدارسين والعاملين من خطر أي ملوث حتى وإن كان مسببا للحساسية العادية، فالأدلة الجديدة التي ننشرها توجب على الوزير ومجلس الجامعة وإدارتي كلية الطب ومركز العلوم الطبية تقديم اعتذار رسمي عن المغالطات التي نشروها بوسائل الإعلام، ومن ثم استقالة كل المعنيين بهذه “الفضيحة البيئية” ومن اتهم النقابات بأنها تسعى لتشويه سمعة الكلية وتعمل لأغراض مشبوهة، لأن الأدلة تؤكد تقاعس وتخاذل المسئولين في حماية الطلبة والعاملين بمركز العلوم الطبية من خطر التلوث.
وختمت نقابتا الأطباء والجامعة بيانهما بمناشدة رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك للتدخل العاجل والتوجيه بضرورة تنفيذ توصيات الهيئة العامة للبيئة التي كان من ضمنها الإغلاق الفوري للمشرحة، مؤكدتين أنهما قدمتا الأدلة والمستندات لوزير التعليم العالي د.بدر العيسى كما زودتا وزير النفط د.علي العمير بتلك الأدلة وطلبتا منه “صرف السوء” عن الطلبة والعاملين بالكلية وتفعيل صلاحياته بالضبطية القضائية لتنفيذ توصية الهيئة العامة للبيئة كونه يشغل منصب رئيس المجلس الأعلى للبيئة، إلا أن الوزيرين مع الأسف لم يتخذا أي إجراء فعلي حيال هذا التلوث البيئي الذي أثبتته تقارير المسح التي أجريت بكلية الطب.