جديد الحقيقة
الرئيسية / كتاب وآراء / فهد المطيري: “الاقتصاد الإسلامي”ظاهرة تجسّد تسخير الدين لخدمة رأس المال.

فهد المطيري: “الاقتصاد الإسلامي”ظاهرة تجسّد تسخير الدين لخدمة رأس المال.

في عام 1976 نوقشت في كلية الحقوق بجامعة القاهرة رسالة دكتوراه حملت عنوان “تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية”، من إعداد سامي حسن حمود، وهو مصرفي أردني اتجه إلى “البحث العلمي” بعد خبرة طويلة في العمل في “البنوك الربوية”، وفي مقدمة الرسالة يُشبّه الباحث دوره في التنقّل بين المذاهب الفقهية بدور “البستاني الذي يقطف من الحديقة وردة من هنا وزهرة من هناك”، والهدف بطبيعة الحال هو التوصل إلى حلّ لمشكلة “تناقض الأعمال المصرفية مع الشريعة الإسلامية”، وأمّا النتيجة العامة التي توّصل إليها الباحث فتشير إلى “أنّ العمل المصرفي الحديث رغم تمازجه الخالص مع الربا قابل إلى أن تُطهّر صورته”، ومن أمثلة هذا “التطهير” ما عدّه الباحث فيما بعد “كشفاً وفّقه الله إليه”، ونعني به “بيع المرابحة للآمر بالشراء”، أي المرابحة بصورتها المصرفية الحديثة.
يبدو أنّ إشارة الباحث إلى دور البستاني لم تكن مجرّد تشبيه، ذلك أن اختراع المرابحة المصرفية جاء نتيجة خلطة عجيبة بين رأيين فقهيين حول بيع المرابحة في التراث الإسلامي، وقد لاقت هذه الخلطة استجابة سريعة من قبل المصارف والشركات الإسلامية، ونالت مباركة المجاميع الفقهية الكبرى التي تحظى بدعم مباشر من رأس المال النفطي، كما حظيت بتأييد مؤتمرات إسلامية، مثل مؤتمر المصرف الإسلامي الأول الذي عُقد في دبي في 1979 والمؤتمر الثاني الذي عُقد في الكويت في 1983، ثم استمرّ التأييد لهذا “الكشف العظيم” طوال العقود الماضية من قبل فقهاء البترو-إسلام، فالشيخ يوسف القرضاوي كان له دور كبير في التسويق لما يسمى المصارف الإسلامية، سواء من خلال القرارات الصادرة عن مجمع رابطة العالم الإسلامي، أو من خلال الفتاوى والكتب والتصريحات الصحافية، ولا يقتصر الأمر على القرضاوي بل يتعدّاه بشكل عام إلى كلّ فقيه يبحث عن وظيفة في إحدى الهيئات الشرعية التابعة للبنوك، وكلما كان الفقيه إلى التيسير أقرب منه إلى التعسير، زاد حظه في الحصول على وظيفة “مستشار شرعي”!
لكن ما طبيعة هذه “الخلطة العجيبة” التي تُلبس الفائدة الربوية ثوب الحلال؟ في دراسة فقهية أعدّها أحد المتخصصين، نجد اتهاما صريحا للقائلين بجواز المرابحة المصرفية المعمول بها في البنوك الإسلامية، حيث لجأ هؤلاء إلى “التلفيق بين المذاهب، فهم أخذوا قول الإمام الشافعي بجواز المرابحة، وتركوا له شرطه الخيار، وأخذوا من المالكية وغيرهم إلزامهم بالوعد، وتركوا لهم قولهم في المرابحة، فخرجوا بنص فقهي لم يقل به فقيه” (انظر “بيع المرابحة للآمر بالشراء”، دراسة فقهية، جعفر بن عبدالرحمن قصّاص)، وتنبغي الإشارة هنا إلى تعدّد الدراسات العلمية التي وقفت موقفا ناقدا من المرابحة المصرفية بشكل خاص، ومن “الصناعة المصرفية الإسلامية” بشكل عام، ولا تقتصر تلك الدراسات على ميدان الفقه الإسلامي، بل تتعدّاه إلى دراسات رصينة قام بها باحثون متخصصون في علم الاقتصاد من جهة، وبريئون من شبهة تمويل البترو-إسلام لدراساتهم من جهة أخرى، منهم الباحث الأميركي التركي الأصل “تيمور كوران”، حيث يؤكد في أحد كتبه التي نُقلت إلى العربية حديثا عدم وفاء المصارف الإسلامية بوعودها المتعلقة بتطهير المعاملات البنكية من كل أشكال الفائدة (انظر كتاب “الإسلام والثراء الفاحش”، تيمور كوران).
ظاهرة “الاقتصاد الإسلامي” تستحقّ الدراسة لأكثر من سبب: أولا، هي ظاهرة تعبّر عن نجاح تسويق الأيديولوجيا في مجتمعات تفتقر إلى أدنى مستويات التفكير العلمي بشكل خاص والتفكير النقدي بشكل عام، وثانيا، هي ظاهرة تجسّد الحالة التي يُسخّر فيها الدين لخدمة رأس المال، وثالثا، هي ظاهرة تفضح حجم التدهور الأخلاقي الذي لحق بأمة محشورة بين مطرقة التراث وسندان الحداثة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*