اكدت خطبة الجمعة المعممة على جميع مساجد البلاد أن من نعم الله علينا استقرار البلاد وأمنها، بتولي صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، ووفقه لما فيه خير البلاد والعباد، فله علينا السمع والطاعة بالمعروف، ونبايعه على العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة علينا، ولا ننازع الأمر أهله، وندعو له بالخير والصلاح والبيعة واجبة في عنق كل الرعية، ومبايعة أهل الحق والعقد ملزمة للجميع.
وتابعت الخطبة التي أعدتها لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة بوزارة الأوقاف: “فعن ابن عمر – رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”.
وفيما يلي نص خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 9 جمادى الآخرة 1445هـ الموافق 22 الجاري.
أمير التواضع والإحسان
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فأوصيكم، عباد الله، ونفسي بتقوى الله، فإنها خير الزاد لدار المعاد والحساب، (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) [البقرة:197].
أيها المؤمنون:
إن الموت سنة ماضية، وأمر رباني قضاه الله على الخلائق أجمعين، فكل العباد على الله مقبلون، لا يستثنى منه ملك ولا مملوك، ولا رئيس ولا مرؤوس، (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)[الرحمن:26-27]، فأفضل الخلق قال له ربه: (إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) [الزمر:30-31]، فالعاقل من جعل الموت مذكرا له في حياته، وحاديا له إلى طاعة ربه والعمل لما بعد مماته، فهو أمر لا مفر منه، ثم بعده الحساب والجزاء في القبور وفي يوم البعث والنشور، (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) [آل عمران: 185]، فمن قدم الآخرة وعمل لما بعد الموت فهو السعيد، ومن غفل عنها وقدم الدنيا فقد خسر خسرانا مبينا. (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) [الشورى:36].
عباد الله:
كم أخذ الموت لنا من عزيز، وكم فارقنا به من قريب! وها قد غيب الموت بأمر من الله تعالى وبتقديره وقضائه أمير التواضع والإحسان صاحب السمو الأمير الشيخ/ نواف الأحمد الصباح، طيب الله ثراه، وجعل الجنة مسكنه ومأواه، راضين بقضاء الله، محتسبين الأجر عند الله، مسترجعين صابرين، فمصابنا فيه جسيم، وخطبنا فيه جلل عظيم، لكن الله أدبنا وأمرنا بالصبر واليقين، وبشر من صبر بالرحمة والهداية، (وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) [البقرة:155-157].
لقد فقدنا، يا عباد الله، من أحبته القلوب لتواضعه وإحسانه، وشهدت له المساجد بعبادته واهتمامه، وعرفه المصلون بذكره وقرآنه، واعترفت له رعيته بقربه من قلوبهم، فدعا لهم ودعوا له، وهذه خيرية عظيمة شهدت لها النصوص الشرعية، فعن عوف بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم» [أخرجه مسلم].
فحقه علينا: الدعاء له بالغفران والعفو من الرحيم الرحمن.
عباد الله:
لقد سار سموه، رحمه الله، بالبلاد داخليا بحرصه الشديد على وحدة الوطن والمواطنين، والإيمان بأن قوة الكويت في وحدة أبنائها وإيمانهم، وترسيخ القيم والمبادئ والمثل العليا، وأن تقدمهم مرهون بمدى تفانيهم وتلاحمهم وإخلاصهم في أعمالهم، وعمل سموه، رحمه الله، على دفع عجلة التنمية والتقدم في البلاد.
وفي مسيرته الحافلة التي تولى فيها زمام القيادة شهدت البلاد خلالها إكمال مسيرة البناء والعطاء التي بدأها أسلافه الكرام، وخططا جديدة لإدارتها وفق المصلحة العامة.
واتسم عهده الميمون بالازدهار وإضفاء روح الأخوة والتكاتف والمواطنة والتآلف.
وكم قدم سموه من المساعدات للبلدان المنكوبة! ومد يد العون للمحتاجين والمستضعفين.
فعموم أهل تلك البلدان يدعون للكويت وأميرها وأهلها، وكم شجع على العناية بالقرآن الكريم ونشر العلم، ومن أبرز ذلك: ما كان في عهده من استمرار إقامة المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويد تلاوته، حتى غدت أكبر جائزة للقرآن الكريم في العالم الإسلامي، وكانت تحظى بحضور شخصي من سموه وتكريم مباشر منه للفائزين، وهذا الإسهام في نشر القرآن الكريم وتيسير تعليمه: دلالة على خيريته، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم “خيركم: من تعلم القرآن وعلمه”.
وفي رواية: “إن أفضلكم: من تعلم القرآن وعلمه” [أخرجه البخاري من حديث أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه].
وسار سموه -رحمه الله- خارجيا بتوطيد علاقاته بالبلاد العربية والإسلامية، والتنسيق في كل ما يخص قضاياها المصيرية، والسعي لحل المشكلات التي تواجهها، على نهج احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية.
إخوة الإيمان:
وبوفاة سموه، رحمه الله، فقدت الكويت أحد قادتها الأوفياء الغيورين، وفذا من رجالاتها المخلصين، الذين أسهموا في صنع تاريخ الكويت وبناء مجدها، وقادوا سفينتها – على الرغم من التحديات العظيمة والأعباء الجسيمة – إلى بر الأمن والاستقرار، وشواطئ الرفاه والازدهار.
لقد رحل سموه، رحمه الله، بجسده، ولكن إنجازاته ستبقى في سجل تاريخ الكويت الناصع، وستظل عطاءاته محفورة في أذهان أبنائه، وستبقى إسهاماته الخيرة منارة للأجيال، ولن ينسى أهل الكويت حبه للكويت وإخلاصه لها وتفانيه من أجلها وأجل رفعتها وتقدمها.
عباد الله:
ومن كريم عطاء الله للأمير، رحمه الله: أن الناس متفقون على محبته، والشهادة له بالخير من رعيته، وهذا من بشرى المؤمن، وعلامة خيريته، نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحدا، فعن أبي بكر بن أبي زهير عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار».
قالوا: بم ذاك يا رسول الله؟ قال: «بالثناء الحسن والثناء السيء، أنتم شهداء الله بعضكم على بعض» [أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني].
إن من وفائنا لأهل الفضل علينا ومنهم أميرنا الراحل رحمه الله: أن نلهج له بالدعاء والغفران، وأن نلح على الله له بالرحمة والرضوان، وأن يبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله، وأن يجازيه بالإحسان إحسانا، وبالتقصير عفوا وصفحا وغفرانا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وأتوب إليه، إنه هو الغفور الرحيم
– الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، وجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [آل عمران:102].
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون:
إن من نعم الله علينا: استقرار البلاد وأمنها، بتولي صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله ورعاه، ووفقه لما فيه خير البلاد والعباد، فله علينا السمع والطاعة بالمعروف، ونبايعه على العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة علينا، ولا ننازع الأمر أهله، وندعو له بالخير والصلاح.
والبيعة واجبة في عنق كل الرعية، ومبايعة أهل الحل والعقد ملزمة للجميع، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله ژ يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» [أخرجه مسلم].
عباد الله: علينا في مثل هذه الأوقات: أن نكل الأمور العامة إلى أهلها، وأن نكون يدا واحدة خلف قيادتنا لبناء الوطن وخدمة أهله، والسعي في رقيه ورفعته، وأن نبتعد عن القيل والقال، ونشر الأكاذيب وما لا يثبت من الأقوال، قال الإمام محمد بن نصر المروزي، رحمه الله : (النصيحة لأئمة المسلمين تكون بحب طاعتهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة كلها، وكراهية افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله).
واعلموا أن من وصايا أهل العلم وتوجيهاتهم: كثرة الدعاء لولاة أمورهم بالخير والصلاح، لذلك كان الفضيل بن عياض، رحمه الله، يقول: (لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان)، فقيل له: يا أبا علي فسر لنا هذا، قال: (إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد).
اللهم إنا نسألك أن تتغمد أميرنا الراحل بواسع رحمتك وفيوض كرمك، اللهم أكرم نزله ووسع مدخله وأدخله الجنة وباعده عن النار، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، وادفع عنا الفتن والشرور، اللهم وفق أمير البلاد صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، لهداك، واجعل أعماله في رضاك وكن له معينا وظهيرا، وهيئ له البطانة الصالحة التي تحض على الخير وتحثه عليه، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.