يتولى كير ستارمر رئاسة الوزراء في المملكة المتحدة، بعدما قادر حزب العمال إلى فوز ساحق في الانتخابات العامة البريطانية 2024.
صعد ستارمر إلى موقع زعامة العمال قبل أربع سنوت خلفاً لجيريمي كوربن، وعمل على التحول بدفة الحزب من خط كوربن الذي مثل أقصى اليسار لجعله أكثر وسطية من جديد، من أجل أن يصبح أكثر قابلية للانتخاب من الناخبين في المملكة.
ما قبل السياسة
انتخب كير ستارمر كنائب في البرلمان البريطاني في مرحلة غير مبكرة من حياته، عندما كان في الخمسينيات من عمره، بعد مسيرة مهنية لامعة كمحامٍ.
ومع ذلك، كان لديه اهتمامٌ سياسي واضح وكان لديه أيضاً نزعة يسارية متطرفة في شبابه.
ولد عام 1962 في لندن ونشأ في مقاطعة ساري، في الجنوب الشرقي من إنكلترا لأسرة لديها أربعة أبناء.
كثيراً ما يردد ستارمر أن جذوره متوغلة في الطبقة العاملة. فقد كان والده يعمل في أحد المصانع، بينما عملت والدته ممرضة.
وكانت الأسرة من أشد المؤيدين لحزب العمال. واختارت له أن يحمل نفس اسم أول زعماء العمال وهو كير هاردي الذي كان من عمال مناجم الفحم.
عاش ستارمر حياة عائلية مضطربة. يقول عن والده إنه كان رجلاً بارداً يريد أن يظل بعيداً، عن والدته أنها عانت طوال معظم حياتها من داء ستيل، أحد أمراض المناعة الذاتية، الذي أقعدها بالنهاية وجعلها لا تقوى على المشي والكلام، ثم اضطر الأطباء إلى بتر ساقها.
في سن السادسة عشرة، انضم إلى كوادر الشباب بالفرع المحلي لحزب العمال في منطقته، كما قام لفترة من الوقت بكتابة وتحرير مجلة “البدائل الاشتراكية”.
كان ستارمر أول فرد في عائلته يرتاد الجامعة. درس القانون في جامعتي ليدز وأكسفورد البريطانيتين، ثم عمل كمحامٍ متخصص في شؤون حقوق الإنسان. خلال تلك الفترة من حياته، كافح لأجل إلغاء عقوبة الإعدام في بلدان أفريقية وكاريبية (بمنطقة البحر الكاريبي).
وترافع أيضاً في قضية شهيرة في التسعينيات، عن اثنين من الناشطين البيئيين بعدما اختصمتهم سلسلة مطاعم معروفة الوجبات السريعة في تهمة التشهير.
في عام 2008، تولّى ستارمر منصب رئيس النيابة العامة، ثم صار رئيساً لدائرة النيابة العامة وخدمات الإدعاء العام الملكية البريطانية.
بقي في ذلك المنصب الرفيع حتى عام 2013 ثم حصل على لقب فارس في العام التالي.
زعامة حزب العمال
التحق ستارمر بمجلس العموم البريطاني (البرلمان) في 2015 كنائب عن دائرة هولبورن وسانت بانكراس في لندن.
كان العمال آنذاك على مقاعد المعارضة، خلف رئيس حزبهم، جيريمي كوربين، السياسي من أقصى اليسار.
عُهدت إلى ستارمر مهامُ وزارة الداخلية في حكومة الظل التي تشكلها المعارضة بغرض توجيه النقد للحكومة القائمة. وقد تولى ستارمر مراجعة وتقييم أداء الحكومة التنفيذية في مجالات مثل الهجرة ثم بعد تصويت المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، أصبح وزير حكومة الظل لشؤون “البريكسيت” أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
واستخدم ستارمر هذا المنصب للضغط من أجل إجراء استفتاء ثان في شأن البريكسيت.
حصل ستارمر على فرصته ليصبح زعيماً لحزب العمال بعد الانتخابات العامة لعام 2019.
عدت نتائج تلك الانتخابات بمثابة الكارثة بالنسبة للحزب ــ فقد واجه أسوأ هزيمة منذ عام 1935 ــ الأمر الذي أجبر جيريمي كوربين على الاستقالة. وفاز السير كير بقيادة حزب العمال بأجندة يسارية ركزت على تأميم شركات خدمات الطاقة والمياه، وكفل تعليم جامعي مجاني.
وكان حزب العمال وقتها نتيجة إدارة جيريمي كوربين، يعاني انقساماً داخلياً واضحاً بين جناحين، دعاة اليسارالمتشدد أو الراديكالي ودعاة اليسار المعتدل.
وقال ستارمر إنه يريد توحيد الصفوف وتقريب التكتلين مع المحافظة على “راديكالية” السيد كوربين محذراً من الميل الشديد أيضا نحو الوسط.
ثم أعقب ذلك أن قرر ستارمر تعليق عضوية جيريمي كوربين في حزب العمال بسبب الخلاف حول التقرير الخاص بالتصدي لمعاداة السامية داخل الحزب خلال فترة قيادة كوربين الحزبية.
ويزعم كثيرون من معسكر اليسار المتشدد أن ستارمر كان يجري إعادة ترتيب للبيت الداخلي طويلة النفس للتأكد من أن الأعضاء المعتدلين فقط هم من سيتمكنهم الترشح للبرلمان.
ما هي تواجهات ستارمر؟
برغم مما وورد على لسانه في حملته الحزبية، إلا أن ستارمر أدار عجلة قيادة حزب العمال إلى سياسات الوسط الصريحة بغية جعله أكثر قابلية للانتخاب. كما تراجع عن متابعة العديد من المخططات المكلفة، مستنداً في ذلك على الحالة السيئة لخزانة الدولة وفي نفس الوقت فهو لم ينزع الشعرات الأخيرة لليسارية الراديكالية من خطته.
خطط التأميم
تخلى ستارمر عن مقترحاته السابقة بتأميم شركات الطاقة والمياه في المملكة.
مع ذلك، فقد وعد بدمج شبه شامل لخدمات السكك الحديدية المتوفرة لنقل الركاب في غضون خمس سنوات، في كيان واحد خاضع لسيادة الدولة اطلق عليه Great British Railways.
ملف التعليم
تخلى ستارمر عن تلبية وعود إلغاء الرسوم الدراسية لطلاب الجامعات، قائلاً إن الحكومة لن تكون قادرة على تحملها.
وقال لبي بي سي في مايو/ أيار الماضي: “من المرجح أن نتخطى هذا الالتزام لأننا نجد أنفسنا وسط ظروف مالية مختلفة”.
غير أنه صرح أن حزب العمال سيبدأ في فرض ضريبة القيمة المضافة على رسوم المدارس الخاصة في بريطانيا.
قضايا البيئة
قلّص حزب العمال تعهده الذي قطعه في عام 2021 بإنفاق 28 مليار جنيه إسترليني (35 مليار دولار) سنوياً لدعم مشروعات الطاقة الخضراء النظيفة، غير أنّه لم يفرّط لا بوعود بناء مزارع توربينات الرياح البحرية ولا بتطوير مصانع البطاريات للسيارات العاملة بالطاقة الكهربائية.
ولم يسلم من جراء ذلك من انتقادات خصمه الرئيسي، حزب المحافظين الذي اتهمه بأنه يحاول “التملّص” مما يعتبر التزام سياسي رئيسي.
وقد تعهّد ستارمر مؤخراً باستثمار 8 مليارات جنيه إسترليني في الطاقة الخضراء من خلال شركة جديدة تسمى جي بي إنيرجي.
كما تعهّد أيضاً بالإقلاع عن الوقود الأحفوري بالكامل تقريباً في عملية إنتاج الكهرباء في المملكة المتحدة بحلول عام 2030.
ويعتقد العديد من الخبراء أن هذا لا يمكن تحقيقه.
الموقف من إسرائيل وغزة
تلى الهجوم الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على إسرائيل، إعلان ستارمر حق إسرائيل في الدفاع عن النفس وفي شن هجوم مضاد.
وقد أثار ذلك الموقف غضب جمهور الناخبين المؤيدين للفلسطينيين، وتمرداً من العشرات من نواب حزب العمال الذين خرجوا عن نصه، ودعوا بدلاً من ذلك إلى وقف فوري لإطلاق النار.
غير أنّه دعا في فبراير/شباط من هذا العام إلى “وقف دائم لإطلاق النار”، مشدداً على وجوب “أن يتم الآن”.
وأظهر استطلاع للرأي العام أجرته مؤسسة يوغوف في آذار/ مارس أن 52 بالمئة من سكان المملكة المتحدة يعتقدون أن ستارمر لم يتعامل مع تلك القضية على الوجه الأنسب.
كما وأنه ساند ما قامت به الحكومة البريطانية من أعمال قصف لقواعد المتمردين الحوثيين في اليمن ردّاً على هجمات هؤلاء على السفن المارة عبر البحر الأحمر ومرتبطة بإسرائيل وذلك في إطار حرب غزة.
الجيران الأوروبيون
في 2019، دعا السير كير لإجراء استفتاء ثانٍ قد يلغي قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي.
أما الآن فإن ستارمر يؤكد أنه ما من مجال للتراجع للوراء بيد أنه أفاد بأنه يرغب بمناقشة اتفاقيات تعاون جديدة مع الاتحاد الأوروبي بشأن أمور تخص المعايير البيئية، والاشتراطات الخاصة بالمنتجات الغذائية وبسوق العمل.
“أنا أكره الخسارة”
غالباً ما يسخر خصوم ستارمر من كونه شخصا مملاً، وأنه يحب إظهار تمسكه بالقواعد، وأطلق عليه أحد زملائه لقب “أستاذ القواعد”.
ولم يرتكب أي مخالفة للقونين سوى مرة واحدة، عندما كان شاباً، وألقت الشرطة القبض عليه لبيعه الآيس كريم بدون حمل تصريح تجاري. تمت مصادرة بضاعته ولم يتخاذ أي إجراء عقابي آخر حيال الأمر.
إنه لا يميل في المقابلات سوى لكشف القليل عن نفسه، لكنه أقر بأنه يملك حدساً تنافسياً.
وقال لصحيفة غارديان البريطانية: “أنا أكره الخسارة. يقول البعض إن التكافل هو الأهم. وأنا لست في هذا الفريق”.
تزوج ستارمر من فيكتوريا ألكسندر، التي تعمل في هيئة الصحة الوطنية، عام 2007، ولديهما طفلان.
خارج أوقات العمل، يفضل ستارمر أن يمضي أوقات الاسترخاء في لعب كرة القدم الخماسية وهو من مشجعي فريق أرسنال لكرة القدم.