الرئيسية / محليات / صرخة ذات ،،، بقلم الكاتبة فاطمة المذكوري

صرخة ذات ،،، بقلم الكاتبة فاطمة المذكوري

صرخة ذات

التضحية هي أن تتخلى عن ما هو مهم جدا (و قد لا يعوض) بالنسبة إليك من أجل قضية معينة أو إنسان ما ..
و هي تنم عن حب كبير و قوة شخصية لا عن ضعف ..
هل للتضحية حدود تنتهي عندها؟ متى تتحول التضحية من معناها السامي المختزل في العطاء الإرادي اللامحدود إلى استغلال من المضحى لأجله و إلى سلب مشروع من وجهة نظره؟
نحب أناسا منهم من يجمعنا بهم قرابة و منهم من نلتقي بهم بمحطة من محطات قطار الحياة ..نتعلق بهم و نسعى لإسعادهم و جلب كل ما من شأنه أن ييسر عليهم المشقات المخبأة بين ثنايا الأيام ..
نخدمهم فنشعر أننا نخدم أنفسنا فالفرحة بقلوبهم تعني فرحة قلوبنا و الابتسامة على شفاههم نتيجة تثلج صدورنا و تنسينا تعبنا من أجلهم ..
أوقاتنا و صحتنا الجسمية و النفسية و أيام طويلة من عمرنا هي أدوات نضعها تحت طلبهم نسخرها لخدمتهم، اذا طلبوا ما نملك قدمناه لهم بسعة صدر و اذا طلبوا ما لا نملك جاهدنا بتعب و كأننا نسبح عكس كل التيارات لنجلبه و نضعه بين أيديهم ..
رغم كل هذا القتال مع متاعب الحياة لأجلهم و مع ذاتنا التي تصرخ من داخلنا رافضة إجهادها بهذا الشكل ..منهم من لا يكتفون بكل ذلك ، ليطمعوا في سلب كرامتنا و احترامنا لأنفسنا أيضا ، فتتحول لغتهم من طلب و ترجي إلى أمر يجب تنفيذه ..و أي تباطء أو تقصير في التنفيذ أو عدم التنفيذ من الأساس لعدم قدرة أو لأي سبب راجع لنا نرى منهم وجوها عابسة غاضبة و نبرة صوت حادة و ألسنة جارحة و ما أقساه من شعور أن تخرج كلمات جارحة من بين شفاه شقينا و تعبنا لجعلها تبتسم..
لنكتشف أن ما هو من وجهة نظرنا تضحيات أصبح بالنسبة لهم واجب و حق من حقوقهم ..و بالتالي لا داعي لاستغراب نبرتهم و اسلوبهم الجديدين ..إذا ظهر السبب بطل العجب..فنحن من وجهة نظرهم سلبناهم شئ من حقهم بعدم امتثالنا لتنفيذ ما يأمرون به ..
و السؤال هنا من جعلهم يتوهمون ذلك؟
ليأتي الجواب : نحن..نعم نحن من غذينا الأنا عندهم عندما كنا نلبي طلباتهم على حساب صحتنا وراحتنا ..
نحن من سقينا نبتة النرجسية بداخلهم عندما كنا لا نستطيع أن نقدم لهم ما يطلبون و مع ذلك نقول لبيه و نبدأ ننحث في الصخر للتنفيذ ..و هم بدون أي ذرة إحساس لا يهمهم أثر التعب على ملامحنا بسببهم ..بل كلما بدا علينا الإنهاك كلما رفعوا شعار : هل من مزيد .. و تضاعفت طلباتهم و زاد استنزافهم لقوانا الصحية و المعنوية بدون استحياء و لا رحمة ..
التضحية باب من أبواب الإيثار و هو من مكارم الأخلاق و خلق النبلاء ..و سمو هذا الخلق يكمن في تقوية العلاقات الإنسانية و الروابط الإجتماعية و ينمي الإحساس بالآخرين و هو دواء فعال لمعالجة الأنانية ..و البذرة التي تنتج الإنسجام الداخلي و السلام النفسي للمؤثر و تجعل نفسه تتذوق الطمأنينة كما يغذق هذا الخلق عليه بنعيم الرضا الذاتي..
و متى ما كان نتاج ما نقدمه للآخرين تحت مسمى التضحية مخالفا لكل ذلك بل و نقيضه تماما وجب علينا التوقف بعين من الرأفة و الرحمة اتجاه ذاتنا و استجابة ترجياتها بوقف استنزافها أكثر في عمل لا يؤدي النتائج المرجوة منه ..مع منحه مسمى آخر ..
التضحية هي بذل الغالي للحصول على الأغلى منه و لا تصح بتوفر الحدث الأول و غياب الثاني..
بقلم الكاتبة فاطمة المذكوري

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*