بالرغم من أن الخليج كتلة واحدة إلا أن عادات الخليجيين تختلف، لم يشفع التشابه بين بيئاتهم جغرافياً ومناخياً واجتماعياً ودينياً لبعض العادات وأضرب مثلاً بمجالس العزاء وهي أحد التقاليد المنتشرة في العالم لمواساة أهل المتوفى، وفي الخليج يحتسبونها إدخال سرور وتفريج كُرَب والبعض له فيها مآرب أخرى.
الخليجيون مترابطون متشابهو اللباس إلى حد ما، «الدشداشة» أو «الثوب» و«الغترة» و«العقال» لها أسماء مختلفة ويُزاد وينقص في «موديل» التفصيل أيضاً ولكن يبقى الأصل واحدا «قطعة خام طويلة تغطي الجسد وأخرى للرأس وفوقها الأسود المستدير، والنساء العباءة السوداء مع اختلاف التصميم».
لمجالس العزاء، وهي مَثَلنا في هذا المقام، في كل دولة من دول الخليج بروتوكول خاص، في الكويت على فترتين صباحاً من الثامنة حتى أذان الظهر، وبعض «دواوين» الرجال تفتح مبكراً لكبار السن من المعزين الذين يحضرون مبكراً، ومساءً بين صلاتي العصر والمغرب، في السعودية عزاء النساء «سواريه» من الخامسة ويمتد إلى ما شاء الله من الليل، في البحرين أيام وليال، وهكذا.
أيضاً من العادات الخليجية المتفاوتة من دولة لأخرى قراءة القرآن وإهداؤه إلى روح المتوفى، نقول عادات لا شرع لئلا يلتبس على القارئ الأمر، والبعض يقدمون التمر أو المشروبات، بينما البعض الآخر يعتبرون ذلك من مظاهر الفرح فلا يُشرب في المجلس إلا الماء.
أما الملابس ففي الكويت ترتدي النساء العباءة الكويتية القديمة «عباءة الرأس» وتحتها ما شاءت المرأة من اللباس بأي لون لا بأس في ذلك، وغالباً ترتدي «الدرّاعة» وهي الجلباب الطويل، بينما صغيرات السن يرتدين البنطال والقُمص وفوقهما العباءة.
وكانت نساء الكويت في الماضي يضعن فوق رؤوسهن قطعة مخرمة من قماش «ثوب من خام التور الأسود» وهي عادة متروكة الآن تلبسها المرأة في بيتها فوق ملابسها للزينة، وفي العزاء تغطي به رأسها، اليوم استعيض عنه بـ«اللفة» أو «الملفع» أو «الشيلة» السوداء، حتى غير المحجبات يغطين رؤوسهن به رغم أن هذا السلوك تراجع بين الجيل الجديد.
في السعودية تلبس نسوة أهل بيت المتوفى الرداء وغطاء الرأس الأبيضين لتتعرف عليهن المعزيات وملاحظ أن هؤلاء الأخيرات يتزينّ بحقائب اليد والمجوهرات الخفيفة وبعض المكياج الذي يسمى «مكياج العزاء»، وكذلك لاحظت في الكويت في العقد الأخير أن لمجالس العزاء زينة خاصة، الكعب العالي أيضاً جزء من تمام الهندام، والمشهد العام كالتالي:
أهل المتوفى في كوكب آخر من الحزن والصمت وأحياناً البكاء المتقطع أو الملامح المتعادلة من صدمة الفقد، والأقارب من الدرجة الأولى يهتمون بتفاصيل الخدمات للمجلس، مثل توفير خدمة إيقاف السيارات «فالي باركنغ» وتوفير كميات الماء والمشروبات لمن يقدمها والتمر الطازج يومياً، ومتابعة جدول الدعوات للغداء والعشاء اليوميين وهذه عادة كويتية لم تبلَ مع الزمن.
الكويتيون يقدمون وجبتي الغداء والعشاء لمدة 3 أيام لأهل بيت الميت ويقدر غالباً العدد بناءً على توصية أقارب الدرجة الأولى، القائمة تحمل أسماء المتكفلين واليوم والعدد المتكفل به لتقديم الوجبات، وكانت بيوتات الكويت القديمة تقدم من مطبخها أكل العزاء، اليوم ومع التطور وتقدم وسائل الـ «كيترنغ» صارت الولائم تأتي من الفنادق الكبرى والمطابخ الشهيرة والمطاعم المعروفة، وكل داعٍ حسب مستواه المالي والاجتماعي يكون اختياره، وأثناء الجلوس للوجبة تُطرح أحاديث عامة وقصص وحكايا والبعض يضحكون وكأنه لا عزاء هنا.
أيضاً من العادات الحديثة في مجالس العزاء، البحث عن زوجة، فالأمهات صرن يأتين ببناتهن لتقديم واجب العزاء ليُعرف أن في البيت فتاة في عمر الزواج وتراها النسوة فينعتنها، لأن في العزاء لا تبالغ البنت في التزين قد تكتفي بالكحل، ولا يوجد تكلف في اللباس فتُرى على حقيقتها أو الأقرب لحقيقتها فتكون تلك فرصة للترشيح لابن إحداهن، وإذا انتقت الأم واحدة تدعو ابنها يحضر لتوصيلها من عند باب بيت العزاء ويشاهد مشروع عروس المستقبل.
هذا وضع العزاء في بعض دول الخليج، ولا عزاء للميت صاحب المناسبة!
الموت مناسبة حزينة لذلك اعتاد الناس مواساة أهل بيت الميت فيما يسمى بمجالس العزاء، وفي الحقيقة فإن الحزن الحقيقي والغصة في قلب عائلته، بينما جحافل المعزين والمواسين كل جاء وفي قلبه شأن، وكما نضرب في الكويت مثلاً ونقول «حجة وحاجة»!