لماذا لا يعارض الكثير من الشيعة الكويتيين والخليجيين والعرب عموماً، مواقف وسياسات جمهورية ايران الاسلامية، وان كان الكثير منهم لا يبدو مقتنعاً بها في اللقاءات الشخصية والجلسات الخاصة؟ لماذا لا يتناقش مثلاً وعلناً وبصراحة أساتذة العلوم السياسية والقانون والمحامون الشيعة، الأوضاع السياسية في ايران، ومدى مطابقة تشريعات الجمهورية الاسلامية واجراءات محاكمها للأسس القانونية الصحيحة ولحقوق الانسان والقوانين الدولية، وفق ما يطالبون سلطات العالم العربي والاسلامي مثلاً معاملة اي متهم أو معارض من الشيعة؟
لماذا لا يطالب البرلمانيون الشيعة في الخليج ولبنان والعراق مثلاً بوجود معارضة برلمانية مستقلة في «المجلس» بايران، ولماذا لا يطالب الصحافييون وغيرهم بحرية التعبير والنشر؟ القائمة في الواقع طويلة، وقد تشمل التجار ورجال الأعمال وجمعيات الشفافية ومكافحة الفساد والاطباء والطلاب وكل المهن والاهتمامات.
ثمة باعتقادي أسباب عديدة لهذا الصمت والتجاهل، بعضها معروف متوقع في «علم اجتماع الأقليات» الذي نراه في مجتمعات وأقليات ومكونات مختلفة عبر العالم، وأخرى بحاجة الى دراسة وجمع معلومات، وقد أحصيت على الجملة بعض الأسباب منها:
1 – هيمنة عقلية أو نفسية «الأقلية المهددة» والمعرضة للاضطهاد أو التميز، على الكثير من الشيعة في العالم العربي والاسلامي، مما يعني نتيجة، القبول بأوضاع ونواقص ايران مهما كانت، وبخاصة بعد ما تعرض له الشيعة بخاصة بعد عام 2003 من القتل والتفجير والحملات الاعلامية الواسعة.
– 2 اعتقاد البعض الآخر بان ايران دولة تمثل المذهب الشيعي يقودها رجال دين وعلماء شيعة بارزون.فطاعة مثل هذه الدولة كطاعة نظام الخلافة أو طاعة قيادة أي حزب ديني يمسك أو قد يمسك بالسلطة في العالم العربي.ومن كان من الشيعة يؤمن بمبدأ ضرورة اطاعة رجل الدين كحاكم، اي «الولي الفقيه»، فقد يجد اطاعة «مرشد الثورة» من مكملات تمسكه بالدين والمذهب.
وقد يرى بعض الاسلاميين الحزبيين الشيعة أن من حق النظام الاسلامي الايراني التدخل في أي مكان يراه «الولي الفقيه» ضرورة «لانقاذ الأمة»، كالجراح المسموح له باحداث اي جرح يراه لازما لمعالجة المريض!
– 3 هناك من يعتقد، وهؤلاء كثيرون، بأن هذه الجمهورية الاسلامية في ايران وثورتها، تجابهان منذ عام 1979 حملات ظاملة من خصوم كثيرين: كالغربيين وبخاصة الامريكان، اليهود والصليبيين، الكفار والمنافقين، الليبراليين والعلمانيين وبقايا عهد الشاه، ومن ابرز اعدائها اليوم الجماعات التكفيرية والجهادية من السلفيين التي تستفيد من السياسات والثروات الخليجية وغيرها.ومن هنا لا ينبغي للمتدين الورع المتمسك بالمذهب الشيعي حقا، ان يزيد هذه الجبهة من الاعداء قوة، او يقدم لها اي دعم، بتوجيه اي نقد لايران.
– 4 يعتقد عدد كبير من المتعلمين والاطباء والمهندسين والمعلمين والكتاب والمثقفين الشيعة، وربما حتى بعض اهل السنة في العالم الاسلامي والخارج، ان الجمهورية الايرانية نموذج سياسي، اقتصادي، اجتماعي، ديني ناجح، يعزز قوة العالم الاسلامي، وهو نموذج جدير بالدعم والمساندة والتأييد لا المعارضة والتهجم.وقد يضيف هؤلاء ان الحكومة الايرانية تطبق نموذجا اسلاميا من «الديموقراطية المنظمة او الموجهة» من قبل رجال الدين والولي الفقيه، وبالتالي فالايرانيون «يتمتعون بكل الحريات التي يقرها الشرع»، اما المعارضون فهم مرتبطون بجهات اجنبية تريد تخريب كل العالم الاسلامي باسم الديموقراطية وحقوق الانسان.ويقول هؤلاء كذلك، مدافعين عن كل عيوب وسلبيات التجربة، بان «الديموقراطية الحقيقية» غير موجودة في اي مكان، و«الحرية المطلقة» مجرد وهم، اما بالنسبة لأهل السنة والقوميات الاخرى في ايران فهي في الواقع «تتمتع بكل الحقوق وتتساوى مع الشيعة وسائر الايرانيين»، واذا لم يكن هذا حالها حقا، فهل الدول العربية تعطي كل الحقوق لمن ليس على قوميتها ومذهبها؟
5 – الكثير من الشيعة يرى مشاكل ايران وسلبياتها وتخبط سياساتها وتدخلاتها غير المبررة، ولكنه يتجنب نقد ايران علنا وبشكل مكتوب مطبوع، لأسباب غير دينية في بعض الاحيان.
فالغالبية لا تريد تحمل مسؤولية سياسية كهذه، حتى ان كان استاذا جامعيا أو كاتبا، واخرون حريصون على الا يقولوا شيئا يمنع دخولهم ايران للسياحة والعلاج، او لزيارة المدن الدينية مثل مشهد وقم، ولدى البعض مخاوف حقيقية أو وهمية ان يتعرض للانتقام والملاحقة أو العزل الاجتماعي داخل الطائفة أو غير ذلك، كما يقوم البعض بالتجارة والاستثمار وادارة الممتلكات والثروات بين بلده وايران، وهذه تتضمن ربما ملايين الدولارات التي تجعل هؤلاء عزوفين عن أي نقد سياسي أو اقتصادي مهما رأوا من فساد ورشى وسوء ادارة وغير ذلك.
ان الاقتصاد الايراني واسع ومجالات الاستفادة من الفساد المالي غير محصورة بالاثرياء الشيعة الخليجيين أو العراقيين أو العرب وحدهم، ولا استبعد وجود بعض اثرياء وطلاب فرص الثراء من السنة كذلك، فالثروات الهائلة تخترق مثل هذه الجدران.
ان المسؤولين الايرانيين يدركون كل هذه الحقائق ويستفيدون من كل الامكانات المتاحة لهم وهم كذلك على دراية عميقة بالواقع الخليجي والعربي والدولي ويحركون أوراقهم وفق مصالحهم.
وقد تتبنى ايران ما تشاء من خطط وسياسات وتحركات..ولكن لماذا لا ينتبه شيعة الكويت أو الدول الخليجية والعراق ولبنان..الى ما ينفعهم وينفع بلادهم ومستقبل أبنائهم؟