حذار التقليد.. إحنا غير!
كتب المقال: د. أحمد الخطيب
التفجيرات في مساجد الشيعة بالمملكة العربية السعودية مظهر آخر للتصعيد الطائفي، الذي طغى على كل شيء في المنطقة.
نحن الآن، للأسف الشديد، في حرب طائفية مدمرة، خسارتنا فيها جميعاً حتمية، لأن المعارك ليس فيها رابح، الكل يخسر، ويجلب الدمار على نفسه، وهذا مصير مَن يُشعل النار في بيته.
الخطاب السياسي الجديد في نبذه للطائفية، بعد هذه الحوادث، جاء متأخراً جداً، علاوة على أنه لم يكن بالمستوى المطلوب.
الفكر الديني في المملكة لم يتغيّر، ويعجز البعض عن التمييز بين المذهب الداعشي والوهابي… ولعل ما يلفت النظر في ما تم اكتشافه من سيطرة العناصر الانتحارية من المملكة على قائمة الانتحاريين، أنهم احتلوا المراكز المتقدمة بين صفوف الآخرين من الدول الأخرى الذين نافسوهم على الأولوية في الترتيب… هذا ما ذكرته جريدة الاندبندنت البريطانية بتاريخ 26/5/2015، فهناك تنافس شديد على احتلال المراكز الأولى للاستشهاد.
البعض يقول إن ما حدث، هو البدء بتحرير ولاية الجزيرة بتطهير الحرمين من المرتدين، حتى تستكمل هذه الحركة الجهادية شروطها، بعودتها إلى مقر القيادة الخلافية الأولى، وهذا يتطلب معالجة جذرية وشجاعة، لردم منابع التطرف الطائفي، وتأكيد جوهر الرسالة السامية للإسلام في المساواة والمجادلة بالتي هي أحسن، فلا إكراه في الدين، وكذلك مواكبة التطور العالمي في كل المجالات للتفاعل معها، حتى نضمن وجودنا في عالم لا يرحم المتخلفين.
أوضاعنا بالكويت
نحن في الكويت علينا أن نهتم بأمورنا، ونتذكر دائماً أننا غير… كنا نحتل الريادة في المنطقة، ولسنا تابعين، فنظامنا الدستوري حمانا كل هذه السنين من الهزات العنيفة، ووفر لنا الاستقرار، الذي ساعدنا لأن نكون الأمثل في الجزيرة، ونحتل الصدارة في كل المجالات.
ما يحزنني، هو أن البعض يحاول أن يتنكر لكل هذا، ويسعى إلى تقليد الآخرين، لنصبح مثل الغراب الذي فقد مشيته، بمحاولته تقليد غيره!
فالإجراءات الأمنية الأخيرة، المتعلقة بحرية الرأي، تثير القلق، وتعبّر عن إصرار على تقليد السياسة المدمرة المتبعة لدى الآخرين، ولعل أخطرها، هو إخضاع حق المواطنة لأمزجة السلطة، كما يفعل الآخرون، فالجنسية يستحقها مَن يخضع للحاكم، الذي وصل إلى الحكم بحد السيف ضد شعبه أو حتى أهله، سواء كان والداً أو أخاً أو ابن عم، ويعتبر نفسه المالك الشرعي للأرض ومَن عليها، من أغنام وبشر، وما تحتها من ثروات، ولا منازع له في هذا الحق المُطلق، ومَن يناقش في ذلك، يصبح عدواً متآمراً، يجب التخلص منه، سجناً أو قتلاً أو نفياً… وبهذا، يسود مسلسل «اقتلني وأقتلك» المدمر للدول، كما يقول التاريخ بكل جلاء، فالجنسية والمواطنة لا معنى ولا قيمة لهما في هذه الأنظمة.
الجنسية يا سادة ليست بضاعة تُباع وتشترى في سوق النخاسة السياسي، هي حق مقدّس للمواطن، لا يسمح التهاون فيه، وخيراً فعل القضاء الكويتي الشريف، حين حسم هذا الأمر، وأوقف هذا التلاعب المعيب.
المواطنة شيء مقدّس، وكذلك الحقوق الإنسانية لغير المواطنين، ولا تهاون في المساس بحقوق الاثنين.
حذار التقليد… إحنا غير.
لإنقاذ سمعتنا… شكّلوا لجنة لإنصاف المقيمين
السيد Richmond سفير بريطانيا في الكويت، وقد كان قبل ذلك في عهد الحماية قنصلاً، أرسل تقريراً إلى الخارجية البريطانية في منتصف ستينيات القرن الماضي، يصف فيه المعاملة السيئة للأجانب، ونشر في الوثائق البريطانية يقول «لو أن غازياً أجنبياً جاء إلى الكويت للقي الترحيب من معظم الأجانب»، وهذا ما حصل فعلاً عندما احتل صدام حسين الكويت… البعض تعاون معه، وآخرون نهبوا بيوت ومحال الكويتيين، ولا ننكر انضمام الكثيرين منهم إلى المقاومة في كل أشكالها.
المرحوم عبدالله حسين الرومي يلبس البذلة ويتكلم بالعربية الفصحى، تعرض للإهانة من قِبل الشرطة، فقام المرحوم جاسم القطامي مدير الشرطة، آنذاك، بالتحقيق مع المعتدين، فقالوا إننا اعتقدنا أنه أجنبي! فالأجنبي وفق ثقافتهم مجرم ومحتقر.
كما أنني، شخصياً، لاقيت الأمرّين من الشرطة، فقد كانوا يعتبرونني سائقاً هندياً في ذلك الوقت!
لقد أدركنا خطورة هذا التصرف عندما كان لدينا مجلس عام 1992، فشكّلنا لجنة حقوق الإنسان، لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، وفتحنا أبواب المجلس، للاستماع لشكاوى المقهورين، ورأينا العجب العجاب… تعاون معنا آنذاك وزير الداخلية أحمد الحمود الصباح، ودفع ثمن هذا الموقف الإنساني من قِبل رئيس الوزراء.
عندما أصبح نائباً في البرلمان اللبناني، طالب المحامي الصديق جوزيف مغيزل، بتشكيل لجنة مماثلة، وكان له ذلك، ثم حذت بعض البرلمانات العربية حذوه، وتبنت هذه المبادرة.
وفي ظل ما نشهده اليوم من انتهاكات بحق المقيمين، نقول: ليت وزير الداخلية يخصص لو ساعة في الأسبوع لسماع شكاواهم، أو يبادر إلى تشكيل لجنة بالمستوى المطلوب، كي تتولى هذه المهمة، بدل تشديد الإجراءات والغرامات وتسفيرهم، لأتفه الأسباب.
لا نريد أن نشجع تشكيل طابور خامس في وسطنا، يكفينا ما فينا من مشاكل يرحمكم الله.
التعالي على الآخرين وإهانتهم ليسا من الصفات المحمودة، وسمعة الكويت وأهلها على المحك.