عقد وزراء الإعلام بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اجتماعهم الثالث والعشرين في الدوحة يوم الأربعاء الماضي، وسط اتجاهات متعددة وغريبة في جسد الإعلام العربي عامة والخليجي خاصة.
وجاء في توصيات الاجتماع المذكور أن الوزراء اتفقوا على أن تتولى دولة قطر بالتنسيق مع الأمانة العامة لوضع رؤية إستراتيجية للتحرك الإعلامي المشترك لمجابهة الحملات الإعلامية التي تُثار ضد دولة قطر فيما يتعلق بتنظيم دولة قطر مونديال 2022، وكذلك مجموعة أخرى مع التوصيات التي تدعم العمل الإعلامي المشترك.
لقد كنا في الكويت في ملتقى العام الماضي، واتخذ وزراء الإعلام توصية بدعم ملف قطر للمونديال 2022، ولكن للأسف، لم نلحظ تطبيقاً فعلياً لتلك التوصية التي أقرتها القمة الخليجية، ولم نشاهد أي تغيّر في المحطات الخليجية أو الصحف الخليجية نحو دعم الملف. ونقولها بكل صراحة: إن الإعلام الخليجي – كل يغني على ليلاه – وله توجهات محلية محددة، ولا يلتفت للشأن الخليجي إلا قبل عقد القمة الخليجية أو الملتقى الإعلامي المصاحب لاجتماع وزراء الإعلام، ولا يتم تطبيق التوصيات.
وخلال ندوة فكرية صاحبت اجتماع وزراء الإعلام في العام الماضي طُرحت فكرة دعم ملف قطر من قبل إعلاميين خليجيين، ودعا بعض المتداخلين من دولة قطر، إلى أهمية أن تركز البرامج الرياضية والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى في دول التعاون، على التصدي للحملات التي تحاول النيل من جهود دولة قطر لاستضافة المونديال. ولكن للأسف، لم يحدث أي تطور أو تغيّر واقعي في اتجاهات تلك البرامج، ولم ترسل أي محطة طاقماً متخصصاً إلى دولة قطر للاطلاع على الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في هذا الشأن، كي تضمن إقامة المونديال في وقته المحدد وبالصورة التي تليق بدولة قطر وبكأس العالم، كحدث دولي ينال تقدير كل شعوب الأرض. وحتى المعالجات الخبرية، وجدنا بعض الأخبار ‘المُشككة’، والتي نُشرت دونما تمحيص وتحمل بين طياتها ما تحمل من اتجاهات سلبية للدور الكبير الذي تضطلع به دولة قطر في هذا الشأن.
ولقد كانت توصيات وزراء الإعلام بدول مجلس التعاون في اجتماعهم الأخير، في الدوحة الأربعاء الماضي، واضحة فيما يتعلق بالتصدي لحملات التشكيك تلك، حيث أكد الوزراء ‘تضامن دول المجلس الكامل مع دولة قطر وتشجيع وسائل الإعلام في مجلس التعاون لمواصلة التصدي لهذه الحملات في الداخل والخارج، باعتبار أن هذا الإنجاز يُسجل باسم كافة دول المجلس’.
ورغم ‘إشراق’ هذا النص، والمُصاغ بعناية لا تعني الالتزام، لوجود كلمة (تشجيع) بدلاً من إلزام أو تكليف، فإننا نرى أن القضية تحتاج إلى برامج عملية، كما ورد في التوصيات، تقوم بها مراكز بحوث ومتخصصون إعلاميون، وليس موظفي وزارات أو هيئات الإعلام، لدعم ملف 2022، كما حصل في موضوع مواجهة الإرهاب.
نحن نعتقد أن هناك ‘هوة’ بين توصيات وقرارات الوزراء وما يُبث أو ينشر على أرض الواقع، ولقد عاصرنا هذا الإعلام منذ العام 1968 مع انطلاقة إذاعة قطر، وكتبنا عنه الكثير، ذلك أن ‘فورة’ الانتماء الخليجي تظهر واضحة ومؤججة، خلال اجتماع الوزراء أو قمة التعاون، حيث تظهر ‘هالات’ إعلامية وحفاوة كبرى وتنشط فلاشات الكاميرات في الوجوه، ناهيك عن أن بعض دول التعاون تصرف المليارات على الإعلام الخارجي، ولكن لا يتحقق المأمول، بسبب عدم وجود التقييم المناسب، وقصر التحليل العلمي الذي يجب أن يُعتمد عليه في أداء تلك المنصات الإعلامية التي تكلف المليارات.
إن التصور الذي دعا إليه البيان، مع كل التقدير لما سوف يقدمه، يجب أن يرتكز على برامج عملية، يمكن حصرها في الآتي:
1- تحديد ماهية الخطاب الإعلامي الخليجي، ورفض القوالب السبعينية التي ما زالت بعض وسائل الإعلام الخليجية متمسكة بها، والارتقاء –كماً ونوعاً – بإنتاج وأداء المؤسسات الإعلامية، كما ورد في كلمة سعادة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس الهيئة القطرية للإعلام، ‘وصياغة خطاب إعلامي خليجي مشترك يعكس وحدة المصير والهدف الخليجي الواحد’.
ومع كل التقدير لما قيل في الندوة الثانية المصاحبة لاجتماع الوزراء، من أن الإعلام الخليجي هو الأكثر تأثيراً في الرأي العام العربي، إلا أن الإعلام الرسمي – بكافة قنواته وأشكاله – مازال يحتاج لأن يُبدّل نهوجه القديمة، ويخرج من ‘كهنوت’ السياسة، ليُساير واقع الإنسان، دونما التملص من مناقشة القضايا المصيرية لدول مجلس التعاون بكل شفافية ووضوح.
2- اقتراح برامج إذاعية وتلفزيونية، في كل دولة على حدة، تعكس الملامح الحضارية في دول التعاون، بعيداً عن المبالغة والتهويل، وبما يتناسب مع عقلية العالم المتحضر، مع الإيمان بأن السموات مفتوحة، وقدرة أي كائن على الوصول إلى المعلومة بسهولة ويُسر، وهذا يعزز المصداقية في إعلام دول التعاون.
وأن تقوم لجنة من المختصين بوضع هذه البرامج وبحث إمكانية إنتاجها، وأيضاً تبادلها بين الدول ـ وترجمة بعضها إلى اللغات الحية، وشراء أوقات على المحطات العالمية لبثها فيها.
3- لقد كان معرض إكسبو – ميلان، هذا العام، فرصة سانحة لإظهار الموقف الخليجي الموحد من استضافة قطر لمونديال 2022، مع الاعتراف بعدم زيارتنا له وعدم اطلاعنا على ما جرى فيه، ولكن كان يمكن أن يشارك جهاز تلفزيون الخليج ومؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك بفعاليات موحدة تجاه هذا الموضوع، وهذا تجمع دولي، بل في واقع الأمر، لماذا لم تقم مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك بإعداد ولو فيلما قصيرا عن جهود دولة قطر نحو تلك الاستضافة، وتوزيعه على محطات دول التعاون، وعلى المحطات الصديقة، وشراء وقت على المحطات العالمية لبث هذا الفيلم؟
4- إن استقرار الأوضاع الأمنية في دول التعاون، رغم الغصّات الأخيرة، مناسبة كبرى لدعم نشر فرص التعايش وثقافة التسامح في الإعلام الخليجي، وهذا الموضوع لم يأخذ حقه في الإعلام، خصوصاً عندما تعرضت دولة قطر لحملات تشكيكية، أُلصقت دونما موضوعية، في ملف المونديال، بعد وفاة عمال نيباليين جراء العمل، وقام الإعلام الغربي بتضخيم الحدث لدرجة فاقت التصور، وأرسل طواقم إلى نيبال لزيارة أهالي المتوفين، واستخدمت كلمات لا تليق في تلك التقارير التي نشرت. وهنا أيضاً لم يتحرك الإعلام الخليجي بالصورة المطلوبة، كما لا يمكن تجاهل ما قامت به إيران من تدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين قبل سنوات، وما نتج عن ذلك من صراعات مذهبية أخلت بالأمن في المملكة، ما استوجب تدخل وحدات من قوات المجلس لدعم استقرار الأوضاع في البحرين.
كذلك ما حصل في شرق المملكة العربية السعودية من تفجيرات للآمنين، ولم تتم معالجة ذلك في الإعلام الخليجي.
إن التلاحم الإعلامي الخليجي وإظهار وحدة المصير والهدف المشترك إنما يأتي عبر المواقف الإعلامية، لأن كل دولة ‘تُحاسب’ الدول الأخرى على مواقفها في ‘المحن’ التي تتعرض لها، ومن يقف معي سوف أقف معه، وهذه من الطبيعة البشرية قبل أن تكون سمة سياسية.
5- الموضوع الأهم في كل ذلك هو التنمية البشرية في مجال الإعلام، فدول التعاون شعوبها قليلة، وبالتالي فإن الإعلاميين المؤهلين قليلون، وما يجذبه الإعلام من طاقات قد لا تكون مؤهلة، وأحياناً تتدخل في ذلك مقاربات اجتماعية وإدارية، وهذا يجعل الإعلام مرتكزاً على طاقات غير وطنية، غير قادرة على استيعاب الخطاب الذي ينشده الوزراء، لذا فإن الاهتمام بالتدريب وعقد الورش الجادة من الأولويات المهمة، مع التقدير للورش التي يقيمها جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج، والتي تركز في أغلبها على الجانب التقني.
نحن نطالب بتنمية بشرية إعلامية، وهذا لا يتأتى إلا بالتعاون مع المراكز البحثية ودور التدريب العالمية.
الإعلام الخليجي له شجون كثيرة، قد لا يتسع لها هذا المكان، لكننا نؤكد – كما قلنا سابقاً – أنه يجب أن يركز هذا الإعلام على المهنية والمصداقية، وأن يُمنح حرية أكثر في تناول القضايا الخليجية.