رصدت دراسة قانونية عدداً من الملاحظات التي رأت أنها تشوب مشروع قانون جرائم تقنية المعلومات (الجرائم الإلكترونية)، الذي قدّمته الحكومة وأقرّه مجلس الأمة بالمداولة الأولى، ووصفت الدراسة المشروع بأنه صيغ بصورة مستعجلة تنذر بعواقب جمّة، كما أنّ موّاده تبرز رؤية حكومية تجنح بصورة أكبر لتمكين الدور الوقائي، عوضاً عن التركيز على الدور الحضاري والتطويري للتكنولوجيا واستخداماتها، الأمر الذي قد يمسّ مبادئ دستورية أساسية في الدولة، داعية إلى ضرورة أن يراعي القانون اعتبارات خصوصية الأفراد والمؤسسات وعدم تجاوز الحريات العامة.
الدراسة التي حملت عنوان «ثغرات جسيمة بجسد مشروع الحكومة في شأن الجرائم الإلكترونية»، وقدّمها المحامي محمد الدلال، وتلقت القبس نسخة منها، ترى أنه كان يجدر بالحكومة أن تتروّى قبل صياغة مشروع القانون وتقديمه، وأن تسترشد بتشريعات دولية أخرى فى الاتجاه ذاته، لتلافي بعض النواقص، كأن يوضع نص محدد، مثلاً، تُحدّد خلاله فترة زمنية لا تقل عن سنة، وذلك لتوفيق الأوضاع قبل تطبيق القانون، مشيرة إلى أن عدداً من نصوص القانون تستدعي إعادة النظر فيها، داعية الحكومة إلى إعادة المشروع إلى اللجنة المختصة في المجلس لمزيد من الدراسة والبحث والاسترشاد بآراء المختصين.
مصطلحات مبهمة
أولى ملاحظات الدراسة أن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية تضمن عدداً من المصطلحات الفضفاضة والمبهمة، مما يجعل النص القانوني فاقداً لقوته، ومن شأن ذلك أن يخلق مشاكل فى التطبيق والممارسة والتناول عند المستخدمين وجهة الإدارة والقضاء بصورة عامة.
ومن أمثلة ذلك، وفقاً للدراسة، أن «عبارة المساس بالآداب العامة، الواردة في الفقرة 4 من المادة 4 التي خلت حتى المذكرة الإيضاحية من تحديد المقصود منها، الأمر الذي سيجعل مفهوم مخالفة الآداب عرضة للتأويلات والتفسيرات».
وتلفت الدراسة كذلك إلى ما ورد في المادة 10 التي تتناول وضع من ينشئ موقعاً لمنظمة إرهابية أو لشخص إرهابي…، إذ من المعروف أن مصطلح الإرهاب وتحديد هوية الإرهابي من عدمه «من القضايا الجدلية دولياً، ولا توجد معايير تحدد المصطلح أو المعني به، كما أن الكويت ليست لديها مرجعية قانونية لتحديد الأفراد أو المؤسسات او المنظمات ذات الصبغة الإرهابية». ولذلك، فإن هذا النص «سيوقع الإدارة العامة والقضاء في إشكاليات كبيرة لا يحمد عقباها»، وكان الأجدر «الاقتصار على تجريم العنف ووسائله المعروفة والمحددة مسبقاً في الاتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية».
تحديد السرّية
الدراسة تلحظ أيضا، أن بعض مواد مشروع القانون، تتقاطع مع نصوص غير موجودة أساساً، ومن ذلك ما ورد فى الفقرة «1» من المادة «3» التي تشير الى «تجريم الدخول غير المشروع على بيانات أو معلومات حكومية سرية»… حيث من المعلوم أن النظام التشريعي الكويتي، كما تشير الدراسة «لا يوجد به ما يحدد المعلومات والبيانات السرية لدى مؤسسات الدولة، كما لا يوجد تنظيم قانوني يحدد الجهة التى لديها سلطة تحديد سرية المعلومات والبيانات من عدمها، وبالتالي فان القانون يضع نصاً لا تتوافر أساسياته العملية ويتطلب قبل اعادة صياغة تشريع يتعلق بالمعلومات السرية الحكومية ومن يحدد سريتها وذلك فى اطار الدستور والشفافية المطلوبة وفقاً لحقوق المواطنين الدستورية».
خلل تقني
في الجانب التقني والفني، تؤكد الدراسة أن مشروع قانون الجرائم الالكترونية اعتمد في نصوصه على عدد من المصطلحات، مثل «التزوير» و«الاحتيال» و«التنصت»، من دون إعطاء البيان التعريفي لهذه المصطلحات، ولا المفهوم القانوني والتقني لهذه الجرائم، مشددة على أنه لا يصح لمشروع القانون الجديد «أن يعمل او يعتمد على التعريف القانوني للجرائم المذكورة كما وردت في القوانين الجزائية، نظرا لأن تلك الأفعال المرتبطة بالقوانين الجزائية تفترض أعمالا مادية ملموسة يقوم بها الفرد تجاه الآخرين، اما الجرائم التقنية والالكترونية فانها تختلف كلياً في الممارسة المادية».
الابتزاز
ومن الإشكاليات التي تلحظها الدراسة في مشروع القانون، ما ورد في الفقرة «4» من المادة «3» حول تجريم فعل «التهديد» «والابتزاز» في الشبكة المعلوماتية، وأن الفقرة تركت عبارة «القيام بفعل أو الامتناع عنه» من دون تحديد أو توضيح، مستدركة أن «الكثير من النقد السياسي أو الاجتماعي يطول من يتصدر في الشأن العام، ومحل النقد في طياته عبارات وكلمات قد تفهم على أنها تهديد وابتزاز ، وكان الأولى استبدال ذلك بعبارة أخرى افضل واكثر وضوحا وهي «القيام بفعل غير مشروع قانوناً»، وفقا لدراسة الدلال.
تغييب
لفتت الدراسة إلى أن تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الأمة، بشأن مشروع القانون الحكومي الجديد، يوحي بأن اللجنة المذكورة «لم تبذل جهداً أكبر في بحث ومناقشة هذا المشروع»، ويستدل الدلال على ذلك بأن اللجنة «غيبت آراء عدد من الجهات المهمة والمعنية بتطبيقات القانون المقدم، فعلى سبيل المثال كان يفترض من التشريعية دعوة ممثلي إدارة الجرائم الالكترونية بوزارة الداخلية لبحث جوانب المشروع المقدم من واقع الممارسة العملية، كما أنه يفترض أخذ رأي الجهاز الفني لتكنولوجيا المعلومات وأخذ رأي هيئة تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات.. كما أنه غيب دور المجتمع المدني من خلال عدم دعوة جمعية الحاسب الآلي لإبداء الرأي الفني والقانوني»، مؤكداً أنّ «تغييب تلك الآراء سبب اضافي آخر في قصور القانون المقدم».
تطبيق فوري
رأت دراسة المحامي الدلال، أن تطبيق القانون المعني فور صدوره «سيجعل الدولة والأفراد والمؤسسات في وضع صعب»، وأنه كان الأجدر بالحكومة أن تتأسى بتشريعات دولية أخرى في الاتجاه ذاته، وأن يوضع نص محدد يترك من خلاله فترة زمنية لا تقل عن سنة أو اكثر لتوفيق الأوضاع وبما يحقق تطبيقا امثل للقانون، وحتى تقوم قطاعات الدولة المختلفة والأفراد بمراعاة نصوص القانون وهو أمر يستوجبه العدالة وحسن الإدارة.
الضبطية
تلحظ الدراسة كذلك، أن مشروع القانون ينص على «ضبطية» تنفيذية لتحرير المخالفات وضبطها، وضعت بأيدي موظفين يحددهم الوزير المختص، من دون تحديد للوزير المختص أو الجهة التي تقوم مقامه في تطبيق القانون!..، مشيرة إلى أن ذلك يعطي موظفي الضبطية صلاحيات لتجاوز حقوق الافراد والمؤسسات، داعية إلى ضرورة إعادة صياغة ذلك، لتعارضه مع مبدأ الخصوصية والسرية المنصوص عليها فى الدستور والتشريعات الأخرى.
تنازع قانوني
ووفقا للدراسة، فإن مشروع قانون الجرائم الالكترونية أغفل الاشارة إلى «الأبعاد الدولية» التي تحكم عمل وسائل التواصل الالكتروني، في إطارها الفني والقانوني، فهي ليست مقتصرة على إقليم أو دولة محددة، والكثير من برامجها وآلياتها يرتبط بشركات تؤسس وتدار من خارج الكويت، ويخضع من يتعامل معها لتشريعات تلك الدول، وتضرب مثلا على ذلك بموقعي التواصل «تويتر» و«فيسبوك» وخضوعهما للقانون الأميركي، وليس لتشريعات وقوانين دولة الكويت.
وتؤكد الدراسة أن هذه الإشكالية «تدخلنا ضمن ما يسمى بتنازع القوانين ذات البعد الدولي»، مشيرة إلى أن المشروع الحكومي المقدم «يتطلب مزيدا من الدراسة والمراجعة من قبل المشرع في هذا القانون، اسوة بعدد من تشريعات جرائم التكنولوجيا التي راعت هذا البعد في نصوصها، وذلك حرصا لمنع التعارض ولعدم الاخلال بالحقوق والواجبات المقررة في اتفاقيات وتشريعات دولية مختلفة».
ازدواجية قوانين
أشارت دراسة محمد الدلال إلى أن تخصيص قانون للجرائم الالكترونية سيسهم في ازدواجية القوانين بالبلاد، الأمر الذي يتطلب إضافة نصوص المشروع الحكومي المقدم بعد تعديله كفصل او قسم خاص في قانون قائم كقانون الجزاء او قانون المعاملات الالكترونية، وبذلك يتم تحقيق التكامل وعدم التعارض، وتراعى الاعتبارات الفنية والتقنية والقانونية.
استخدام إيجابي للتكنولوجيا
رأت الدراسة أن إقدام الحكومة على تبنّي «العقلية الوقائية» في المشروع، لا جُناح عليها مادامت تهدف إلى منع وقوع جرائم ومخالفات ذات طبيعة تقنية والكترونية، قد تؤثر سلباً في مسيرة الدولة والمجتمع، إلا أنها تشير في الوقت ذاته إلى أن اعتماد «الوقائية» في المسائل التشريعية، يجب أن يكون وفق رؤية متكاملة للدولة، تعتمد على إيمانها بدور التكنولوجيا في حوكمة الإدارة العامة، وبما لا يعيق الاستخدام الايجابي للتقنية الحديثة، ولا يشكّل مساساً بالحريات العامة المرعية بنصوص الدستور.
«تداول المعلومات»: اعتماد اتفاقية بودابست
قدمت الجمعية الكويتية لحرية تداول المعلومات تصورا لمراجعة وتعديل 8 مواد في مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، علاوة على مادة جديدة ترى اضافتها.
وذكرت الجمعية في بيان لها انها «ارتأت ضرورة اعتماد اتفاقية بودابست اساسا لانها الاكثر دقة وتفصيلا وتناغما مع التعاون الدولي مع اهمية تضمين القانون تدابير اخرى لتحميل اجهزة الدولة المسؤولية عن تنفيذ دورها الوقائي لدرء وقوع هذه الجرائم». يذكر ان الجمعية الكويتية لحرية تداول المعلومات قد عقدت جمعيتها التأسيسية وانتخبت مجلس إدارتها في 11 يناير الماضي، وتقدمت لوزارة الشؤون الاجتماعية بطلب اشهارها لتكون قيمة مضافة لمؤسسات المجتمع المدني في الكويت.
التحالف الوطني: تضييق على حرية التعبير
أعرب التحالف الوطني الديموقراطي عن رفضه الشديد لمشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بالصيغة التي انتهت إليه اللجنة التشريعية البرلمانية، تمهيداً للتصويت عليه في المداولة الثانية في جلسة مجلس الأمة اليوم (الثلاثاء).
وذكر التحالف في بيان له ان المشروع «يحتوي على مواد ظاهرها مكافحة جرائم تقنية المعلومات وباطنها ملاحقة مستخدمي الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من الافراد»، لافتا الى ان اقرار المجلس للقانون بصيغته الحالية «يهدف الى التضييق على حريات التعبير وابداء الرأي، كما انه يحمل عوارا قانونيا في بعض مواده لتضاربها مع قوانين اخرى تتشابه في الجريمة وتختلف فيما بينهما العقوبة».
وأكد التحالف تمسكه بالتعديلات المقدمة من النائب راكان النصف على المشروع، ومنها حذف «المحاكم الاجنبية» من المادة 12 الفقرة 4 واضافة نص «ما لم يرد إليه اعتباره»، كما يطالب بحذف المادتين 7 و8 من القانون، كونهما استندتا في العقوبات إلى قانون المطبوعات والنشر، وهو قانون منظم للشركات والمؤسسات الاعلامية، ولا يجب تطبيقه على الافراد، مع العلم ان قانون هيئة الاتصالات نظم هذا النوع من الجرائم.
ودعا التحالف اعضاء مجلس الامة «الى تحمل مسؤولياتهم امام المجتمع الكويتي تجاه حماية الحريات في الدولة برفض هذا القانون بصيغته الحالية او ادخال التعديلات اللازمة عليه بما يحفظ حرية ابداء الرأي والتعبير، وفي الوقت ذاته ينظم عملية معاقبة مرتكبي الجرائم الواردة في القانون بصورة سليمة».