الرئيسية / كتاب وآراء / فيصل الشامري يكتب – حقوق الناس بين العفو والطلب !

فيصل الشامري يكتب – حقوق الناس بين العفو والطلب !

لا يعاب أحدٌ من المطالبة في حقوقه من الناس سواءاً المالية أو الأدبية وغيرها ، والحقوق في شرعنا المعظم قد جاءت مبينة وواضحة ومحمية من التعدي أو المماطلة وهو رسم الشرع المنصوص على المحافظة عليها ووجوب أدائها ومحاسبة كل من ينتهك حقوق الآخرين .
أما القوانين الوضعية فقد رتبت أيضاً الجزاءات والعقوبات لكل من يتعدى على حقوق الآخرين أو الإمتناع عن أدائها، وإن كانت تشريعات غير كافية وأحياناً غير رادعة .
ونظرية الحق والحقوق في الإسلام هي نظرية أصولية فقية بحته ، وقد فصّل فيها علماؤنا وأشبعوها بالبحث والبيان ، وفي هذه الإطلالة لاأريد التكلم عن الحقوق من حيث المنشأ والتأصيل ، فأهل العلم ونحن عيال عليهم قد بينوها وأجزلوا في تبيانها غفر الله لهم ولوالدينا وجميع المسلمين .
والذي أريد التكلم عنه هنا هي جزئية بسيطة وفي جانب قد غفل عنه الكثير إلا من وفقه الله وهي مسألة العفو والإحسان للناس .
لقد أمتدح الله عز وجل العافين عن الناس والمحسنين منهم وهي مرتبة أعلى العفو ، ولنا في رسول صلي الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان آية في العفو والتسامح والإحسان عن الذين آذوه شخصياً أو الذين آذوا دعوة الإسلام وفي عمله على تبليغها .
إن من أعظم أبواب المسامحة والعفو والتنازل في الحقوق الأدبية وفي الذين نال الناس من سمعتهم أو الحط من شأنهم هو مايحدث في الدواوين والمجالس والمنتديات والآن أيضاً في برامج التواصل الإجتماعي بحيث أن الإنسان بطبعة إجتماعي ويخالط بني جنسه من البشر ، فإذاً لا بد أن يجد من الناس شيئًا من الإساءة والغلظة والزلل ، فموقفه من هذه الإساءة أن يعفو ويصفح ، وليعلمْ علم اليقين أنه بعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنى، سوف تنقلب العداوة بينه وبين أخوته إلى ولاية وصداقة ومحبة وإذا كان من أساء له غير مسلم وعفى عنه فإنه بذلك قد بلغ مرتبة الرسل في الدعوة والصبر عليها ،وفيها أيضاً على أقل تقدير أنه قد نأى بنفسه وأبتعد عن المشاكل وشغل الفكر بمالاينفع .. والعجيب أننا نعيش في عصرنا بين صاحب حق يلح في طلبه في حال التعدي عليه وهو أن يعتذر من أخطأ في حقه ويتشدد في طلبه وجداله إلى درجة الخصومة والخلاف وربما التعدي بمثل ما أعتدى عليه ، وأيضاً من العجيب أن أغلب من يعتدي على الناس بلسانه أو كتابته متهاون ومحتقر للناس !
وكما تعلمون العفو يجب أن يكون مع القدرة . ماأجمل العفو والتسامح عن الناس وتسهيل أمورهم والتبسط في مجالستهم والإنصراف عنهم وأنت لاتحمل في قلبك غلاً أو حقداً على أحد .. والعظيم في العفو عن الناس أنه دين يوفى لصاحبه في الدنيا قبل الآخرة بأمر الله . بحيث أن الله يرزقه بانشراح الصدر وبه يسقيم أمره وباله ، ويرزقه الله بمحبة الأخيار ويكف عنه كيد الأشرار ويكون معظماً بين البر والفاجر .
ومن الحقوق أيضاً المتداولة بين الناس الحقوق المالية في المداينة والإقتراض والبيوع والإجارة وغيرها من المعاملات الشائعة بين الناس وهم فيها أيضاً فئات وعلى عدة ضروب !!!
منهم المماطل وهو الغالب وهذه الفئة قد أساءت لنفسها وللناس ، وقد سببوا ردود أفعال وذلك بقطع المعروف والإحسان في التكافل والتعاون بين الناس وتنفيس الكرب وذلك بإمتناع الكثير من أهل الخير من عدم العود إلي إقراض الناس أو قضاء حوائجهم بحجة ماوجدوه من المماطلين وأهل الكذب والغش وذلك بعدم إيفائهم ماترسب في ذممهم أو ماتعاقدوا عليه !!!
ومن الفئات أيضاً المتعدي الكذاب الذي ليس له حاجة ودائماً يريد ويطلب ويطمع في كل مايملكه الناس ونفسه شرهة وعينه شاخصة على مافي أيدي الناس ومايملكونه ، وهذه الفئة غاية في السوء وركن في البشاعة والجشع ، وقوام هؤلاء والباعث لفعلهم هو قلة الدين والمروؤة !!!
والصحيح في مسألة الحقوق المالية أنه يتعين على المدين أن يؤدي الدين الذي في ذمته للدائن في وقته وأن لايماطل إلا بعذر ويجب عليه أن يخبر الدائن بعذره … وكذلك يتعين على الدائن إذا أدى إليه المدين الدين في حينه أن يخصم له أو أن يكرمه ويحسن إليه بإسقاط جزء من دينه تنفلاً وهذا ماحثت عليه الشريعة ، لأن فيها روح التسامح والعفو وإدخال السرور .
وأيضاً على المسلمين إيفاء العقود بإختلافها وأن يفشوا بينهم العفو والتسامح والتراضي .
لكن للأسف جرت عادة سيئة وهي إندثار العفو والتسامح بين الناس من الفريقين صاحب المال يطلب حقه بإلحاح ولايعفو أو يسامح ولو بجزء بسيط ، كذلك يشهر ويذم في أخيه ويتكلم في عرضه ، والمدين أيضاً يماطل بغير عذر إلا من رحم الله والله المستعان !

لقد نظرت في أحوالنا وعلمت علم اليقين أن الكريم دائماً في كل أعماله كريم ، لأن الكرم ليس إكرام الضيف والجار فقط ، الكرم في كل شيء في المعاملة والمجالسة والمحادثة ، وهذا كله من الفطرة والتكوين لايتجزأ ولا ينحرف ويعرف أهله من غيرهم وممن يدعون !

(( لطيفة ))

حاتم الطائي رجل من الجاهلية وكان معروفاً بالبذل والجود والكرم والعفو والتسامح والنجدة وحماية الجار وإكرام الضيف وفك العاني وإغاثة الملهوف .. فكان بعض اللئام والحساد وأهل البجل والجبن يتكلمون فيه بأنه أحمق أو مجنون وغيرها من الألفاظ الشنيعة يريدون النيل منه أو تثبيطه بعدم البذل والكرم !

فرد عليهم وقال :
وكلمة حاسد من غير جرم
سمعت فقلت مري فانفذيني !
وعابوها علي ولم تعبني
ولم يندى …لها أبداً جبيني !

 

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*