جديد الحقيقة
الرئيسية / محليات / دراسة قانونية : المادة ١ من قانون جمع السلاح غير دستورية

دراسة قانونية : المادة ١ من قانون جمع السلاح غير دستورية

حصلنا على دراسة قانونية اعدها استاذ القانون المدني د. مسلط الشريف، تبين مخالفة المادة الأولى من قانون جمع السلاح للدستور الكويتي، ونصت على ذلك المحكمة الدستورية في حكم سابق لها، وفيما يلي نص الدراسة:

رغبة من المشرع في مواجهة انتشار الاسلحة والذخائر والمفرقعات بغير ترخيص , ولصون امن الجماعة , فقد صدر القانون المشار اليه اعلاه ‘ّ منشور بالجريدة الرسمية العدد 1224 السنة 61 تاريخ 22 فبراير 2015م الا ان نبل الغاية وسمو الهدف ليس مبررا للنيل من حريات الناس , وسير مستودع اسرارهم التي يحرصون على الاحتفاظ بها لانفسهم , بحسان ان صونها من الاعتداء اوثق اتصالا بالقيم التي تدعو اليها الامم المتحضرة.
ولذا قررت المحكمة الدستورية ‘ قضية 26 لسنة 12ق جلسة 5-10-1996 ان ‘ دستورية النصوص الجزائية تحكمها مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها , ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها ولاتزاحمها في تطبيقها ماسواها من القواعد القانونية , فقد اعلى الدستور قدر الحرية الشخصية , فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية , الغائرة في اعماقها , ولا يمكن فصلها عنها , وخصها بذلك الرعاية الاوفر والاشمل توكيدا لقيمتها ‘.
وقد حرص الدستور الكويتي على التاكيد على صون هذه الحرمات بالعديد من نصوصه , فنصت المادة 30 منه ‘ الحرية الشخصية مكفولة ‘ ونصت المادة 31 ‘ لايجوز القبض على انسان او حبسه او تفتيشه او تحديد اقامته او تقييد حريته في الاقامة او التنقل الا وفق احكام القانون ولا يعرض أي انسان للتعذيب او المعاملة الحاطة للكرامة , كذلك جرى نص المادة 38 على ان : ‘ للمساكن حرمة , فلا يجوز دخولها بغير اذن اهلها , الا في الاحوال التي يعينها القانون بالكيفية المنصوص عليها فيها ‘ وكما اكدت المادة 34 منه على ان الاصل في الانسان هو البراءة .
ولما كانت المادة الاولى من القانون رقم 6 لسنة 2015 ، السابق الاشارة إليه قد جرى نصها كما يلي ‘ يجوز للنائب العام او من يفوضه ، بناءا على طلب من وزير الداخلية او من يفوضه ، ان يأذن كتابة لرجال الشرطة بتفتيش الاشخاص والمساكن والاماكن ووسائل النقل العام والخاص الكائنة في موقع معين خلال فترة زمنية محددة اذا ما دلت التحريات الجدية على حيازة او احراز اسلحة نارية او ذخائر او مفرقعات بالمخالفة لاحكام القانون ‘.
الا ان هذه المادة الاولى المشار اليها انفا , قد جاءت مخالفة لنصوص الدستور الكويتي بالمواد 30 , 34,31 ,38 منه و ذلك على التفصيل التالي :
اولا: ان المشرع الدستوري رغم اقراره ان التفتيش هو من اخطر الاجراءات الجزائية التي تمس حريات الناس , الا انه لم يغل يد المشرع العادي عن تنظيمه , الا ان سلطة المشرع بالتنظيم وكما قررت ذلك المحكمة الدستورية ‘دعوى رقم 10 لسنة 2004 دستوري جلسة 15-3-2004’ لاتعني نقض الحقوق او اهدارها او الانتقاص منها او انتهاكها .
ولذا فقد احاطت المحكمة الدستورية – في ذات الدعوى – حرمة المساكن بسياج من الضمانات فقررت ان ‘ دخول تلك المساكن – بحسب الاصل- يتم برضاء اصحابها وان يكون هذا الرضا صريحا لا لبس فيه , وحاصلا قبل الدخول , وبعد العلم بظروف التفتيش , وان من يريد اجراءه يملك ذلك قانونا ‘ كما قررت ان ‘ اجراء التفتيش يتم بمعرفة المحقق او بامر منه استنادا الى ضرورة يستلزمها التحقيق بضبط ادلة جريمة ارتكبت بالفعل وترجحت نسبتها الى متهم معين .
ويتضح جليا ان من الضمانات التي ابانتها المحكمة الدستورية ان الاذن بالتفتيش يجب ان يوجة الي متهم بعينه ، ولشخص محدد ، توافرت بحقة دلائل الاتهام ، في حين جاءت المادة الاولى من القانون رقم 6 لسنة 2015 لتجيز الاذن بالتفتيش لموقع معين ، يشمل جميع ساكني او شاغلي ذلك الموقع ، والمساس بحرياتهم المكفولة بنص الدستور ،وإنتهاك لحرمة مساكنهم ، بغض النظر عن توافر الادلة لارتكابهم بذواتهم لذلك الفعل المؤثم من عدمه .
ولما كان التفتيش يتم تنفيذه لضبط شي له كيان محد , ويتم ذلك مرة واحدة , وبضبط هذا الشي يستنفذ هذا التفتيش غرضه ولا يجوز المضي فيه , والا شكل هذا المضي تعسفا في تنفيذ الامر بالتفتيش من شانه ان يلحق البطلان بما نتج عنه من اشياء تعد حيازتها جريمة .
ولذا فان عمومية المادة الاولى من القانون رقم 6 لسنة 2015 واطلاقها دون تقييد لتشمل الاذن بالتفتيش لموقع معين قد جاءت لتخالف هذه الضمانات التي تحيط بالتفتيش, الذي يستنفذ غرضه ولا يجوز المضي فيه عند ضبط الاشياء الممنوع حيازتها وما ذلك الا صونا لحرمة المسكن الذي تنبثق من الحرية الشخصية التي تتعلق بكيان الفرد وحياته الخاصة ومسكنه الذي ياوى اليه وهو موضع سرة وسكينته ‘ قضية رقم 5 لسنة 4 ق جلسة 2 يونيو 1984 ‘ واذا كانت هذه الضمانات تتعلق بمسكن محدد , حرص المشرع الدستوري على حرمته وصيانته ووضع الضمانات الكفيلة بعدم انتهاك سياجه وسوره , فكيف يمكن تصور جواز انتهاك حرمات عدة مساكن في موقع معين طبقا لنص المادة الاولى من القانون رقم 6 لسنة 2015 .
ومما يؤكد على اهمية وجود هذه الضمانات المتعلقة بالتفتيش حرص المحاكم الدستورية المختلفة عليها , وعدم نزولها عن هذه الضمانات حتى في حالة التلبس بالجريمة وهي اكثر ثبوتا في حق الشخص من الشك في موقع معين يحوي العديد من الاشخاص الابرياء , وهو ما قررته المحكمة الدستورية المصرية في حكم لها قضية رقم 5 لسنة 4 ق جلسة يونيو 1984.
ثانيا: لقد حرصت الدساتير على اختلاف انواعها على تاكيد اصل البراءة للانسان , ومنها الدستور الكويتي في المادة 34 منه , ذلك ان افتراض البراءة مؤسس على الفطرة التي جبل الانسان عليها , فقد ولد حرا مبرءا من الخطيئة او المعصية ويفترض على امتداد حياته ان اصل البراءة لا زال كامنا فيه , مصاحبا له , فيما ياتيه من افعال ‘قضية رقم 13 لسنة 12 ق جلسة 2 فبراير 1992 .
ان هذا الاصل العام ‘ البراءة ‘ الذي هومن الركائز التي يستند اليها مفهوم المحاكمة القانونية التي كفلها الدستور , لا ينهدم الا على ضوء ما يقدم من ادلة مثبتة للجريمة التي نسبت اليه في كل ركن من اركانها .
الا ان المادة الاولى من القانون رقم 6 لسنة 2015 قد جاءت هادمة لهذا الاصل العام ‘ البراءة ‘ وكاشفا لهذا الستار فاجازت التفتيش لكل ساكني او شاغلي موقع معين , دونما اعتبار لاصل البراءة الذي يحيط بكيان هؤلاء الاشخاص اينما وجدوا واينما حلوا , ما لم يثبت اقترافهم لكل اركان الفعل المؤثم .
ثالثا: لقد ساوى المشرع العادي في نص المادة الاولى من القانون رقم 6 لسنة 2015 بين الاماكن الخاصة والاماكن العامة , واجاز القيام بالاذن بتفتيشها اذا وجدت في موقع معين , دونما أي اعتبار لما قرره المشرع الدستوري من تمييز بين هذيين النوعين من الاماكن , فاحاط النوع الاول ‘ المساكن الخاصة ‘ بحرمة خاصة , كما جاء في المادة 30 منه فنص على ان ‘ للمساكن حرمة ‘ فهذا التعبير يتضمن عنصرا مهما هو ‘ السكن ‘ وهذا العنصر بذاته هو علة حماية المسكن , فالمسكن هو مستودع سر الشخص ومحل سكينته وهو المكان الذي يهجع اليه ويهدا فيه , فكيف يمكن القول بجواز الاذن بالتفتيش لهذين النوعيين من الاماكن , رغم ان المشرع الدستوري قد احاط النوع الاول منها ‘ المساكن ‘ بسياج من الضمانات وبهالة من القدسية – ان جاز للتعبير- لايمكن النزول عنها رغم سمو الهدف .
واذا كان الاصل في سلطة التشريع , عند تنظيم الحقوق انها سلطة تقديرية , والرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تمتد الى ملائمة اصدارها الا ان هذا لا يعني اطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود التي نص عليها الدستور ‘ قضية رقم 67 لسنة 4 قضائية جلسة 2-2-1985 ‘ فلا مكان في الدولة القانونية لاية سلطة مطلقة .
ومن جماع ما سبق , يتضح ان نص المادة الاولى من القانون رقم 6 لسنة 2015 قد جاء مخالفا للدستور الكويتي في مواده 30 ,31 ,34 ,38 منه , ما يقتضي معه والحال كذلك ان يوصم هذا النص القانون بعدم الدستورية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*