النهار
خارج التغطية / تاريخ دولة الدم الإسلامية!
ناصر المطيري
الاسلام بريء مما نشهده في عالمنا العربي الاسلامي من مذابح وقتل ودماء باسم الدين، ومايجري ليس فعلاً اسلامياً بل هي جرائم من مسلمين، وهناك فرق بين الاسلام كدين سماوي حنيف يقوم على السلام والأمان والتسامح وبين «مسلمين» ممن ينتسبون للاسلام بانحراف في السلوك والممارسة واذا تولوا سعوا ليفسدوا في الأرض ويسفكوا فيها الدماء ويهلكوا الحرث والنسل..
المؤسف أن تاريخنا الاسلامي ينضح بالدم من بين سطوره والأمر لم يبدأ من تنظيم القاعدة أوتنظيم مايعرف بالدولة الاسلامية «داعش» وغيرها من التنظيمات التي اتخذت من الارهاب والدماء طريقاً للوصول لمآربها بل يمتد التاريخ الدموي لبعض المسلمين باسم الاسلام الى عصر الخلافة، اذ ان ثلاثة من أصل أربعة خلفاء أعقبوا النبي صلى الله عليه وسلم على خلافة المسلمين استشهدوا على أيدي مسلمين.الأغرب ان أغلب الرجال من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واغلب أصحابه، استشهدوا بين مقتول بسيف أو بسم أو مات في غياهب السجون على أيدي من ادعوا أنهم اخوانهم في الاسلام.
تاريخ المسلمين في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم الخلافة الأموية والعباسية وصولاً الى العثمانية يخبرنا بدموية تاريخ الدولة الاسلامية في محاولات بنائها. تقاتل الصحابة فيما بينهم أيما قتال،وقتلوا عشرات الآلاف من المسلمين قُتل عثمان.. بأيدي مسلمين تم قُتل علي.. بأيدي مسلمين ثم قتل الحسين وقطعت رأسه.. بأيدي مسلمين وقتل الحسن مسموماًً مغدوراً.. بأيدي مسلمين وقُتل اثنان من المبشرين بالجنة «طلحة والزبير».. بأيدي مسلمين في (موقعة الجمل).. قُتل مسلمون بيد مسلمين في (موقعة صفين).. قُتل مسلمون بيد مسلمين في (موقعة نهروان).. قُتل سبعمائة من المهاجرين والأنصار على يد اثني عشر ألفاً من قوات الجيش الأموي المسلم في (معركة الحرة) الا ان اغلب مؤرخينا المسلمين لم يقولوا لنا صراحة ان تاريخنا الاسلامي ينز دما، بل عمد المؤرخون الى تجميل تاريخ دول الخلافة بالاهتمام بجوانب وترك أخرى ولم يتم التركيز على الجرائم الكبرى، التي حدثت في تلك العصور.
لقد سمعنا عن الفتوحات التي حدثت في زمن دول الخلافة، وسمعنا عن الاهتمام بالعلوم والترجمة، وسمعنا عن الساعة التي صنعت في زمن هارون الرشيد في بغداد وأهداها الى شارلمان ملك الافرنج، لكنا لم نعرف الكثير من كتب التاريخ، عن المذابح والجرائم الكبرى لم يشرحوا باسهاب عن كيفية التخلص من الخصوم في سبيل تثبيت دعائم الحكم والسلطة في مختلف مراحل العهود الاسلامية الأولى .
فالتاريخ يحكي لنا أن الحجاج بن يوسف في محاولته لاقامة «دولة اسلامية» والتشبث بها، قتل بيديه مائة وعشرين رجلاً ومات في سجونه ومعتقلاته خمسون ألف رجل،وثلاثون ألف امرأة، كلهم من المسلمين. وقال للناس بعد أن قتل عبدالله بن الزبير(ان عبدالله بن الزبير كان من خيار الناس، حتى رغب في الحكم فقتلناه). سمعنا عن فتوحات العثمانيين وانتصاراتهم، لكنا لم نعرف الكثير عن المذابح والقمع، الذي ارتكبه العثمانيون ضد الشعوب، التي كانوا يحكمونها وضد شعوب الدول التي فتحوها. أما مذابح الأرمن، التي قتل فيها قرابة المليون ارمني، مسكوت عنها من اجل سواد عيون العثمانيين القدامى والجدد.
كلها كانت معارك بين المسلمين والمسلمين. وأهم أسبابها كانت السلطة، وعلى اثرها لم تقم لدولتهم الاسلامية قائمة حتى اليوم، ومايجري اليوم من محاولة فئة ضالة تريد انشاء «دولة اسلامية» مزعومة والصعود على جماجم المسلمين ودمائهم هي امتداد للممارسة الشاذة المنحرفة للدين ومعاني الجهاد الحقيقية.. فما يرفعه الداعشيون وغيرهم من الارهابيين من شعارات دينية وجهادية هي بعيدة عن رسالة الاسلام والسلام بل هي في الحقيقة تنكيس لراية الدين وقهر للمسلمين وللشعوب الآمنة.
وخلاصة التاريخ واستلهام دروسه المسطرة بالدم والهم تصل بنا الى حقيقة يجب أن نعيها وهي أنه ليس المطلوب اقامة دولة الاسلام بقدر ماهو مطلوب اقامة «مجتمع الاسلام»، وهناك فرق في المفهومين، فما يراد للخروج أزمة الأمة هو ترسيخ أسس المجتمع الاسلامي المسالم، مجتمع التآخي والمحبة والتآلف والتكافل، مجتمع اسلامي تنتشر فيه قيم الاسلام الحقة وليس دولة اسلامية يتصدرها شذاذ الآفاق من قتلة ومجرمين والكثير من المغرر بهم الجهلة الذين صاروا أدوات قوى استخباراتية دولية تحقق من خلالهم أغراضها وأطماعها في دولنا الآمنة المستقرة.