الرئيسية / كتاب وآراء / البكاء على الأطلال ليس هو الحل!.. برأي فوزية أبل

البكاء على الأطلال ليس هو الحل!.. برأي فوزية أبل

ثقافة التراجع!

فوزية أبل

بعض القوى السياسية العربية استطاعت إعادة النظر في نهجها السياسي وفكرها وايديولوجيتها في ضوء الظروف المعقدة التي تمر فيها المنطقة، ومخاطر الاستمرار في النهج القائم على إقصاء الآخرين، أو على التشبث بمفاهيم ومنطلقات قد عفى عليها الزمن.
هذا ما نجده في تجربة حركة النهضة التونسية التي عقدت مؤخراً مؤتمراً بالغ الأهمية، قدم خلاله قائدها راشد الغنوشي تحليلاً للوضع العام في تونس، والتهديدات الداخلية والخارجية ومظاهر الاحتقان الاجتماعي. وطرح استراتيجية تقوم على «احترام الدستور والاعتراف بالنظام القائم»، وذلك على الرغم من خسارة النهضة في معركة رئاسة الجمهورية ووصول خصمها الباجي قايد السبسي إلى سدة الحكم.
وهكذا فقد تكرس النهج المغاير لمسلك الاخوان المسلمين في مصر. الذي يقوم بتصعيد موقفه ضد حكومة الرئيس السيسي، كما يمعن في دعم العديد من الحركات السلفية الجهادية ذات المنحى المتطرف أو الإرهابي.
قد يصح القول إن فشل تجربة حكم محمد مرسي، والإحباطات المتتالية لطروحات «الاخوان» وحلفائهم في مصر وخارجها، جعلت حركة النهضة تستبق الأمور منعاً لتدهور الأوضاع في تونس، البلد ذي التقاليد الأوروبية والخصوصية المحلية.
إنها تحاول التأكيد على محلية تجربتها بعد موجة العنف الإقليمية.. ويتضح من أجواء المؤتمر أن «النهضة» تحرص على إظهار مشاركتها وعملها في ظل الدستور، وفي منحى توافقي.
يأتي ذلك في ظل المخاطر الناجمة عن الحرب الأهلية المتنقلة في ليبيا، ودخول تنظيم داعش أنحاء من المغرب العربي، وتأثيره في الداخل الأوروبي.
وعلى الرغم من اختلافنا المبدئي مع التجربة «الإخوانية التونسية»، لكننا نرى وجود تحوّل في اتجاه المراجعة لعوامل الفشل، والسعي الى اعتماد صيغة لاحترام المكونات السياسية للمجتمع.
هنا ــ في الكويت ــ من يعتبر أن المراجعة هي بمنزلة تنازل دراماتيكي عن المبادئ، وان مواكبة الظروف المتغيرة هي نوع من الانتهازية، لكن الوقائع تؤكد ضرورة القيام بمراجعة واعية كلما اقتضت الضرورة.
قد لا يكون هناك عدو دائم وصديق دائم، وقد يكون التنازل في جوانب معينة إنقاذاً لوطن مهدد بالارتباك، هو السبيل إلى حفظ استقرار الوطن ومؤسساته، وهو السلوك السياسي المطلوب بالنظر للوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد، وحتى لا نكون في مهب خيارات ردود الأفعال ومستجدات الواقع المتقلب.
قد يكون هناك تعرض للخسارة لأسباب شتى، لكن الدوران في حلقة مفرغة والبكاء على الأطلال ليس هو الحل، فلا بد من إتقان أسلوب المناورة، ومن إشراك المواطن في الخيارات المطروحة، بعيداً عن المزايدات الرخيصة ولغة الضجيج، وعن التشبث بالموقف بذريعة أن التراجع يشكل باباً للهزيمة.
على النقيض تماماً، فالتحلي بثقافة التراجع وإتقان المناورة قد يكونان السبيل الوحيد إلى تفادي الفشل.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*