أكل عمر كبدي
د. محمد بن إبراهيم الشيباني
المشهور أن العرب، سواء في جاهليتهم الأولى قبل الإسلام أو بعد الإسلام أي بعد مرور قرون على الرسالة المحمدية، أهل قسوة وخشونة عيش وشظف، فكان من الصعب انقيادهم لبعضهم لإيلافهم تلك القسوة، فكان كلما رأى رستم الفارسي المسلمين يجتمعون للصلاة قال مقولته: أكل عمر كبدي! أي كيف جمع عمر هؤلاء القساة وأدّبهم بهذا الأدب وهو اجتماعهم للصلاة؟! وما زالت هذه المقولة في التردد كذلك من قبل الغرب وأميركا بصورة ولفظة أخرى؛ ما دامت هذه الكعبة موجودة فلن نهزم المسلمين، أو نمسح دينهم من صدورهم.
فدول العشائر والقبائل في أمتنا من الصعب انقيادهم لرئيس، فهم يوافقونه تارة ويخالفونه تارات، ورئيسهم – كما قال ابن خلدون – محتاج إليهم غالباً للعصبية التي بها المدافعة، فكان مضطراً إلى إحسان ملكتهم وترك مراغمتهم لئلا يختل عليه شأن عصبيته، فيكون فيه هلاكه وهلاكهم.
إذاً، إذا سمعت أن عشائر في العراق مع زيد والأخرى مع عمرو فلا تتعجب، وهكذا في الجزيرة العربية بعمومها، ومنها اليمن الدائرة فيها الحرب. فتسمع أن عدداً من القبائل قد حضرت اجتماع الرياض، ولكن قلوبها وأرواحها مع الرئيس المخلوع، أو هم أداة بيده، فهي هنا قد أبدت الموافقة مع باقي القبائل والتحالفات الوطنية، وفي الوقت نفسه مع المخلوع! ومن الممكن أن تتحول إذا كان العطاء المقدم لها هو بالقيمة نفسها أو تتعادل معها، أو قد تؤوب وتتوب من هذه السبة.
ومع ذلك لا نستطيع أن نجزم بأن جميع القبائل والعشائر بهذا السوء أو الجهل أو التبدل المستمر والتقلب غير السوي، فهناك في الساحة اليوم من يقاتل ضد المخلوع صالح ومعه الحوثي من هم أصحاب مبادئ ودين ووطنية كبيرة استطاعوا هزيمة عدوهم في كل محافظة وقرية ومكان، وما زالوا مع الشرعية لا يزحزحهم عنها أحد.
أخذنا الاسترسال عن أصل الموضوع، وهو القسوة التي تصل إلى حد التوحش، أحياناً والذي عليه القبائل أو بعضها، فيصعب انقياد بعضها لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة، وهو ما ركّز عليه ابن خلدون في مقدمته في أماكن متفرقة. إذا لا تجتمع القبائل إلا على الدين، وهو ما كان عليه الأوائل في الصدر الأول من الإسلام مع غلظتهم وجفائهم، كما قال الله تعالى فيهم «لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم»، ولكن عندما حصل الميل إلى الدنيا وزخرفها والتنافس عليها وحبها صار في القلوب والنفوس، ذهبت هيبة الدين بل والتعصب للقبيلة في نفوسهم. والله المستعان.
• سكنة البوادي والأرياف.
«الغالب على طبائعهم الخشونة والجفاء والشجاعة والكرم والغيرة وشرف النفس». (العلامة محمود شكري الآلوسي.