الاتفاق النووي انتقال للعلاقات من السر إلى العلن
يوسف عوض العازمي
العنوان الرئيسي لما جرى في أيام فيينا هو الانتقال في العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإيران من السرية أو العداوة المصطنعة إلى العلاقة العلنية، هذا باختصار ما حدث.
فإن عدنا إلى التاريخ القريب نتذكر غض النظر المستمر من الولايات المتحدة عن التصرفات الإيرانية الذي أثار تساؤلات تتسم بالاستغراب! فنتيجة ما حدث في أفغانستان والعراق أصبح تحت وطأة نفوذ فارسي هائل، إضافة إلى ما يجري في لبنان وسورية، وقائمة طويلة مملة من تحركات إيرانية، تحت سمع وبصر القيادة الأميركية! وهي التي تقوم المظاهرات في إيران بحرق أعلامها وتسميتها بالشيطان الأكبر!
وهناك من صوّر أن ما جرى في فيينا تمثيلية، وهو محق، وأن القيادة الأميركية التي آزرت ولو سياسيا أو معنويا ما يسمى بالربيع العربي لا يمكن الوثوق بحياديتها.
كانت العلاقات الأميركية الإيرانية إبان الربيع العربي، على شاكلة واحد يرفع والآخر يكبس، وكانت وزيرة الخارجية الأميركية وقتها هيلاري كلينتون تتعامل بحدة مع نظام مبارك أثناء الثورة في يناير 2011، وفي الوقت نفسه كان الرضا عنوانا لطباع هيلاري السياسية مع حكم الإخوان (بغض النظر عما جرى لنظام مرسي)، وأيام حكم الإخوان شاهدنا أحمدي نجاد يعقد مؤتمرا صحافيا في مقر مشيخة الأزهر الشريف، وبعدها وصول أول رحلة سياحية من إيران إلى مصر!
ويتواصل الربيع العربي بدعم أميركي وسنارة إيرانية تلتقط الأسماك الشاردة على ضفة الشاطئ وسط فوضى غير مسبوقة في عدة دول عربية، وبعدها يصل القطار إلى البحرين، وتعاود هيلاري هوايتها بالضغط على القيادة البحرينية في تدشين ربيع خليجي واستكمال لما سبقه من فوضى، ولولا ما حدث من تدخل لقوات درع الجزيرة بعد الطلب العاجل من القيادة البحرينية لربما تغيرت أمور وأمور.
وبعد اشتداد الضغط على نظام البعث في سورية فجأة يظهر ‘داعش’ ويكون في مواجهة كل محارب لنظام الأسد وسط نفخ إعلامي غربي وإيراني غير بريء، ووسط علامات استفهام وأسئلة لم يأت جوابها بعد، وإن كان الواقع يفند كل سؤال إن تعاملنا وفق نظرية ‘فتش عن المستفيد’! لذلك فإن لقاءات فيينا كانت نقلة من التعاون غير المعلن إلى التعاون المعلن.
وعلى دول مجلس التعاون الخليجي التعامل بواقعية وحذاقة تجاه ما حدث؛ لأن الوضع العام للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران لم يتغير، وعلينا أن نثق بأنفسنا وقدراتنا وإمكاناتنا الضخمة، فلدينا رصيد من التاريخ السياسي النظيف والموثوق دوليا، ولدينا اقتصادات متطورة وتصنيفات ائتمانية متقدمة، وشعوب ترفل بمعيشة معقولة وتتزين دولنا بوحدة وطنية قل نظيرها، ولدينا قوات عسكرية ذات قدرات قتالية وتجهيز تسليحي ممتاز، ولدينا الكثير والكثير مما يهيئ لنا الاطمئنان والأمان.
إذاً لا خوف علينا إنما علينا حسم الحرب في اليمن بطريقة أو بأخرى حتى لا يحدث استنزاف غير مبرر، خصوصا بعد تحقيق إنجازات استراتيجية ممتازة، وعلينا تطوير عمل الحلف القوي الوثيق مع دول مؤثرة كتركيا وباكستان ومصر والأردن والسودان والمغرب، بحيث يكون هناك تكامل بين دولنا وتلك الدول بأفضل الطرق من خلال استغلال الإمكانات المتاحة.
وكان التعامل الخليجي مع ما جرى في فيينا جيدا من ناحية رسائل التهنئة البروتوكولية أو التصريحات المتزنة الهادئة التي تثبت الثقة بأنفسنا مع الاحترام للطرف الآخر، فإيران دولة جارة لا نتمنى لها إلا كل خير، ونأمل أن تتجة نحو علاقات موثوقة مع جيرانها، فالتهديد لن يثمر زرعا، والحرب إن حدثت فلا رابح فيها، وعلينا بالسلم وترك التدخل بالشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون وإبداء حسن النوايا بشكل فعلي، وليس حديثا فضفاضا في قاعات الفنادق الفخمة.
* * *
وصلني كتاب رسمي من الهيئة العامة لمكافحة الفساد بتوقيع أمينها العام أحمد الرميحي، وذلك بخصوص مقال ‘هيئة مكافحة الفساد’ الذي نشرته في ‘الجريدة’ قبل أسبوعين، وكان الكتاب يرد على بعض الملاحظات التي وردت في المقال، وقد وضّح الكتاب بكل شفافية الملاحظات التي سردتها، فأتمنى للهيئة والقائمين عليها التوفيق والتقدم والتطور.