الديوانية / أسماء بلا تاريخ لشوارع الكويت
أ.د محمد عبدالمحسن المقاطع
كيف تدرك أنك تعيش في بلد الغرائب؟ لن يصعب الجواب على هذا السؤال بمجرد ما يتجول المرء في الكويت حتى يدرك أنه في بلد الأوضاع فيه مقلوبة رأساً على عقب بصورة محزنة ومؤسفة. أما سر الحزن فهو أن تصل دولة مثل الكويت، بصغر حجمها ووفرة مواردها وقلة سكانها ونبل أخلاق أهلها، إلى هذه الحالة من التردي العام لأوضاعها في جميع الجوانب. وأما الأسف، فمرده كون أهلها لم يعودوا أهلها، فهم يتعاملون معها على أنها دولة مؤقتة، والشاطر من يحصل على أكبر حصة منها، وبأي طرق، بأسلوب يقترب من النهب. فغالباً ما يكون المسؤول آخر ما يفكر فيه مصلحة البلد، وأول ما يشغله كيف يزيد ثروته، والمنفذ في أحيان كثيرة يعطل ويعرقل ويماطل ليستفيد من عقاراته واستثماراته وابتزازه للمشاريع الناجحة وأصحابه بأخذ الرشى، والمشرّع ألهته، في الغالب، الأمجاد الشخصية والمشاريع الهامشية والتمسك بالكرسي، حتى لو كان كلفة ذلك بيع البلد أو تفتيته. وهذه بعض صور الأوضاع المقلوبة: 1 – فمن يتجول في شوارع الكويت تذهله أسماء الكثير من الأشخاص الذين سميت شوارعها بأسمائهم، ممن ليس لهم إنجاز يذكر ولا تاريخ مرتبط بالبلد، بل من بينهم من هو حديث الهجرة، لا ينطبق عليه حتى انه من الجيل المؤسس الذي حدده قانون الجنسية في عام 1920، فهو قد جاء بعد هذا التاريخ. وصارت أسماؤهم الغريبة تعلو لوحات الشوارع. ولا غرابة إذا عرفنا أننا تخلينا عن علم وتراث وتقليد في أسلوب تسمية الشوارع، بعد أن تمسكنا به 75 عاماً، فجاء من يهدره برغباتهم وأمزجتهم الشخصية، بعد أن تسللوا إلى مناصب حساسة. 2 – من يراقب الفوضى في حركة العمران والبناء، التي كانت بداية انحرافاتها منتصف الثمانينات، وبلغت مداها في الألفية الثالثة، لا يفارقه الاستغراب، حيث تقام العمارات والبنايات والمراكز التجارية الضخمة، وليس لها مواقف تكفي لـ %20 من الشقق أو المكاتب أو المحلات، فأين «البلدية»؟ وأين «الإطفاء»؟ وأين «المرور»؟ وأين «العدل»؟ وأين «الأشغال»؟ الكل غائب، أو متغايب، أو ربما متواطئ، في الوقت الذي تؤجر فيه بقيم عالية وتباع بمبالغ خيالية! 3 – تخرج في شوارع الكويت من الساعة التاسعة وحتى الواحدة والازدحام المروري مقلق! وزحمة المجمعات والمطاعم والقهاوي تثير الاستغراب، والتساؤل: من بقي في مقر عمله؟! أين المسؤولون؟ وأين نظام العقاب والثواب؟ فلا غرابة أن الدولة في تراجع. 4 – طوابير منتظري الوظيفة من المواطنين تصل إلى 25 ألفاً، والأجانب يشكلون %60 من القوى العاملة. الإسكان طابوره 112000 طلب ينتظرون منذ 15 عاماً، والحكومة تمنح قسائم صناعية وحرفية وغيرها، مما يصلح للسكن، بل توجد أكثر من 23 ألف قسيمة وفيلا مهجورة في المناطق السكنية، ولا حياة لمن تنادي من المسؤولين. والتعليم بتسيب مخيف، والصحة بإهمال مريع، والناس في بيوتهم ويستلمون مرتباتهم، وهو ما يجعلنا اليونان الأخرى الذاهبة إلى الإفلاس. الحال لا تسر، ومسار البلد لا يبشر بخير، وأسلوب الإدارة الحكومية بين عجز وحيرة وتردد، والتفكير السائد في البلد هو «من صاده عشى عياله»، فهل نقبل أن ينهار بلدنا على أيدي أبنائه بصورة درامية؟! اللهم استر واحفظ البلد من لحظة الانهيار.