أصبوحة / التفكير النهضوي
وليد الرجيب
في نقاش كان أشبه بالتفكير بصوت عالٍ مع بعض المثقفين العرب، اتفق فيه الجميع على أن الأمتين العربية والإسلامية تعيشان في حالة تدهور تاريخية، وغرق في فوضى وأزمة عميقتين، جراء الدمار والاقتتال والتعصب المذهبي، الذي تشترك فيه عدة أطراف وليس طرفان فقط، فالكل يقاتل الكل والكل يلقي بالاتهام على الكل، يرافق ذلك تخلّي المثقف عن دوره الطليعي، بل قد يكون هذا المثقف هو الآخر غارقا بدوامة الفوضى التي تعيش فيها دولنا وشعوبنا، أو يقف موقف المتفرج بمعنى أنه إما لا يريد تحمل مسؤوليته تجاه قضايا شعبه، أو عاجز عن فهم وتغيير الواقع ففضل العزلة.
وكما هي العادة صبت التحليلات والاتهامات واللوم، بنفس القوالب الجاهزة منذ عقود، مرة على الامبريالية ومرة على الأنظمة العربية والإسلامية، ومرة على سيطرة الدولة العثمانية لمدة أربعة قرون، بل إن البعض وضع اللوم كله على الشعوب المتخلفة والمتخاذلة على حد تعبيره، وأن «الربيع العربي» ذاته كان شكلاً من أشكال الفوضى.
ومع تشعب النقاش تم شبه اتفاق بين المثقفين، على ضرورة التوقف عن استخدام الشماعات، إذ أن ذلك يعني أن المثقف لا يختلف عن الإنسان البسيط، فهو لم يعد يستخدم عقله، ويكتفي بالقوالب الجاهزة.
وكان رأي بعضنا أننا نحتاج إلى نهضة شاملة، وحراك فكري وتغيير طريقة تفكيرنا التي اعتدنا عليها لعقود، حتى وإن لم نغير المبادئ الكبرى، والحراك الفكري لا يعني بأي حال من الأحوال تهويمات وأفكار مجردة، بل إعادة تنظيم أفكارنا وطريقة تفكيرنا في واقعنا المأزوم.
لكن للنهضة شروط وعناصر، أهمها الحرية والتربية والتعليم والإنتاج المعرفي، وليس النسخ والنقل، ولكن إنتاج معارفنا يجب أن يكون انطلاقاً من واقعنا المتعدد والمتغير عبر الزمان والمكان، ولكي نتجرأ على التفكير المغاير يجب علينا جميعاً التخلص من رواسبنا وشعورنا بالهزيمة، فالهزيمة داخلية في نفوسنا، والنهضة تحتاج إلى تحرر من الخوف، فلا نهضة مع الاستبداد والقمع، أو أي قيود تحاصر أفكارنا وتفكيرنا سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو سياسية وأمنية.
وتغيير طريقة التفكير هي أشبه بعالِم كان يستخدم معادلة واحدة، ولم تلاق هذه المعادلة النجاح أو النتيجة المرجوة، فعليه تغيير المعادلة والبحث عن جوانب أخرى للانطلاق منها، فلا يتحقق إنتاج معرفي يؤدي في نهاية الأمر إلى النهضة، إلا من عقول تربت وتعلمت على استخدام العقل بإبداع ومناخ من الحرية.
وليس مبرراً للمثقف أن يكون يائساً، أو ينتظر الزمن ليأتي بالتغيير واستمرار الشعور بـ«ما فيش فايدة» في مرثيات وبكائيات، ولا يجب الاكتفاء بالشكل الهش غير المستند إلى مضمون، ولا يجب اعتبار العمارات والأبراج الشاهقة شكلا من أشكال النهضة، إذا لم تواكبها عقول مفكرة ومبدعة ومتحضرة، في مناخ من الديموقراطية والحرية يسمح بحراك فكري، مع الوضع بعين الاعتبار أن النهضة الشاملة تقوم بها الجماهير والشعوب، ودور المثقف مزدوج يتمثل بالتوعية والانخراط في حركة الجماهير، والدفاع عن مصالحها كي تنهض وتتحرر من الاستبداد والتبعية، فالنهضة لا تتحقق بيد النخب، لكن على النخب رسم خارطة الطريق للتغير.