نحن بأمس الحاجة للمصارحة حيال الملف الإيراني، بات واضحاً لدينا تباين في الموقف لدول مجلس التعاون، وإيران تعي طبيعة هذا التباين وتعمل لمصالحها القومية بينما دول المجلس لا تملك رؤية مشتركة، وهي تتبع سياسة الانفراد بالنأي بالنفس على أمل أنها تنجو مما هو قادم.
دول مجلس التعاون الخليجي لا تملك أي ضغينة للدولة الإيرانية، بل تحرص على تحقيق الأمن المشترك للمنطقة، بينما نجد على أرض الواقع حقائق مغايرة تعمل إيران على تحقيقها، فهي اليوم تدعم حركة التمرد في صنعاء بعدما دخلت في كثير من القضايا العربية، وتحولت إلى قوة في حل أي معادلة عربية، وبعد الاتفاق النووي الذي يشكل نجاحاً لإيران استطاعت فيه أن تحقق بعضا من أهدافها وطموحاتها كقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، بينما نجد تفاوتاً في الموقف الخليجي، بل نذهب أبعد إذا قلنا إن هناك من يحاول استرضاء إيران على أمل أن ينأى بنفسه، وبكل تأكيد أن المتغيرات التي تتعرض لها المنطقة الخليجية معقدة، ويتشابك فيها الإقليمي والعالمي، وهذا يجعلنا نعيش حالة قلق حقيقية حول حقيقة التعاون والتفاهم الخليجي، فاليوم تتعرض البحرين إلى هجمة منظمة تدعمها إيران حتى وإن نفت كعادتها، إلا أنها هجمة تطمح لقلب موازين النظام السياسي في مملكة البحرين.
إيران عبرت رسمياً أكثر من مرة حيال الوضع في البحرين كما كان التصريح المشهور لحسن نصرالله الذي اعتبر تحرير فلسطين يمر عبر اليمن والبحرين وهي تصريحات تعيد للأذهان ما قاله صدام حسين عندما احتل دولة الكويت.
نحن نؤمن بأن الإصلاح بجوانبه المختلفة يعد ضرورة خليجية كما أننا نؤمن بأن نظمنا السياسية في الإقليم الخليجي هي صمام الأمان، ومن ثم معالجة الأوضاع المستجدة تتطلب تنسيق السياسات العامة لدول مجلس التعاون، وربما إعادة البحث في تطوير آليات التعاون إلى صيغة أكثر فعالية، وكما يعرف الجميع ليس هناك سياسة ثابتة، فالسياسات تتغير مع المصالح، وبالتالي المراهنة على التحالفات التقليدية ليست بالضرورة ناجحة، وهذا ما يدعو للتفكير الإستراتيجي في كيفية قراءة مستقبل المنطقة.
ما يسمى بـ«داعش» والتطورات الأخيرة من الجانب التركي تجعلنا نقترب من اليقين في هدف تكوين دولة «داعش»، وإن كانت حرب التحالف مازالت قائمة، وتدعي القضاء على هذه الدولة، فالخريطة والحدود يخطها الدم، وعلى دول المنطقة إعادة حساباتها نحو قضايا شائكة منها الملف السوري، وإذا كان رحيل بشار الأسد له تداعياته المستقبلية على أمن المنطقة العربية وعلى إعادة رسم الخارطة الجغرافية، والحال نفسه في الحرب المدمرة في اليمن وكيفية الخروج من المأزق، وإن كلفنا بعض الخسائر المرحلية، فالمنطقة العربية تعيش أحلك مراحلها.
علينا أن ندرك أن قناعات جديدة تشكلت بعد أحداث سبتمبر المشهورة، وعلينا أن نعي ما يحدث باعتباره تداعيات لسياساتنا المتراخية، التي باتت تهدد أمننا القومي، مراجعة سياساتنا من أجل الوصول إلى صيغ مشتركة تشكل أحد أهم التحديات، فغياب الإرادة الفاعلة جلب لنا الأزمات، واستمرار هذا النهج، يجعلنا في خانة الخاسرين خصوصاً بعد التحالفات الجديدة، التي باتت ملامحها واضحة.