نسمات / مالك عذر.. ما تسافر!
د. وائل الحساوي
لكل شيء في هذه الحياة فلسفة يقوم عليها، فما هي فلسفة السفر عند الكويتيين؟! البعض يرى بأن السفر فريضة لا تقوم الحياة من دونها، والبعض يراها متعة لا تضاهيها أي متعة من متع الحياة الدنيا، والبعض يراها هماً قاتلاً ليس وراءه إلا إضاعة الاموال وتبديد الاوقات والمشاكل.
والحقيقة ان درجات الحرارة غير المسبوقة في الكويت على مستوى العالم تحرق كل مقاومة لدى الافراد لإرادة السفر مهما تذرع البعض بأن البيوت مكيفة والسيارات مكيفة واماكن العمل مكيفة، فالخروج من البيت الى السيارة بحد ذاته عذاب لا يمكن احتماله، وانتظار مكيف السيارة حتى يبرد، عذاب اكبر، ناهيك عن انقطاعات الكهرباء وتعطل التكييف، وحالة الغليان التي تصل الى المخ لتعطل جميع وظائفه!
حتى النشاطات التي يمارسها المواطنون خلال الصيف تتضمن جرعات كبيرة من العذاب، فإشراك الاطفال في النوادي الصيفية والدورات او اخذهم الى الحدائق العامة يعتبر رحلة العذاب لأولياء الامور، وتملك الشاليهات والمزارع هو خاص بخاصة الخاصة، أما الغالبية فليس لديهم مجتمعين إلا شواطئ صغيرة لا يتعدى طولها عشرة كيلومترات!
حكومتنا الموقرة تساعد فئات من الشعب على قهر حر الصيف عن طريق توزيع منح العلاج في الخارج على شريحة واسعة من المواطنين وتختار لهم موسم الصيف في أبرد البلدان، ولكن الكثيرين زعلانين لأن نظام العلاج في الخارج انتقائي ويختار فئات بينما يرفض فئات اخرى!
كما ان كرم حكومتنا الكبير قد وصل الى توزيع اراضي الدولة المخصصة للزراعة وتربية المواشي على بعض المواطنين ليستخدموها استراحات ومنتجعات عائلية، وهذا يحقق للحكومة صيد عصافير عدة بحجر واحد، منها شراء ذمم بعض النواب بثمن بخس ومنها الترفيه عن المواطنين الذين لا يريدون السفر للخارج كل ذلك مقابل اراض لا فائدة من ورائها لأن احدا في الكويت لا يؤمن حقا بأهمية الامن الزراعي او الغذائي او بإمكانية توفير حاجة البلاد من خلال استغلال الاراضي الصالحة للزراعة او تربية المواشي !
إذا فلا مناص لمن لم يملك مزرعة او جاخوراً او منحة للعلاج في الخارج ان يكسر عزة نفسه وان يخصص بضعة اسابيع سنويا للسفر لكي لا يصبح عدوا لعائلته التي قد ترضخ سنة وسنوات لكنها ستنفجر في النهاية ومن تضطره الظروف للاقتراض من اجل السفر فليس عليه تثريب لأن الغاية تبرر الوسيلة (عند ميكافيلي)!
من قال: ما عندنا مطار؟!
قد يتساءل البعض عن السر في اهمال حكومة الكويت تأمين مطار يتناسب مع شغف ابنائها بالسفر او مواقف سيارات تتماشى مع اقدام آلاف المصطافين للسفر، بينما تنفق اكثر من نصف مليار دينار على العلاج في الخارج، والحقيقة ان هذا السؤال ليس في مكانه لأن الحكومة قد بنت مبنى ضخما للتشريفات يمر المسؤولون في الحكومة عن طريقه الى طياراتهم الخاصة…إذاً فأزمة المطار مصطنعة والحكومة قد انزلت مناقصات عدة لبناء مبنى للركاب في المطار، لكن للاسف تأتي العطاءات دائما بزيادة مليارات عدة عن سابقتها ! يحسبون بأننا لا ندري عن القمندة (سر العطاءات!!).