خارج التغطية / معضلة القلم
ناصر المطيري
الالتزام اليومي أو الأسبوعي بكتابة مقال ليس بالأمر الهين على الكاتب فالكتابة ليست نزهة أو مجرد هواية كما يتصور البعض بل هي في حقيقة الأمر مسؤولية ثقيلة بالنسبة لأي كاتب ملتزم مؤمن بما يكتب صادق في مبادئه وفكره..
والتحدي الأهم الذي واجه قلم الكاتب غالبا ما يتمثل في مدى اتساع أفق الحرية، فعندما يضيق هذا الأفق يختنق قلم الكاتب ويصبح كمن يسير في حقل ألغام لا يأمن ان ينفجر فيه لغم الكلمة الحرة بين سطور المقال، لذلك يقول المفكر والفيلسوف الالماني آرثر شوبنهاور: «القلم للفكر مثل العصا للسائر، إلا أن مشيك يكون أيسر متى كان بلا عصا»..
نحن نكتب عندما نحتاج أن نقول شيئًا لأنفسنا قبل أن نقوله للآخرين، وكلما كنّا أكثر صدقُا مع أنفسنا استطعنا أن نقول للآخرين شيئاً يستحق القول، وذلك من خلال قوله لأنفسنا أولاً. بمعنى آخر، مثل الكاتب الحق مثل شخص في عيادة محلل نفسي ألقى بنفسه على الأريكة، وأخذ يعترف لنفسه قبل أن يعترف للطبيب، فاكتشف من خلال ذلك جوهر نفسه، وساعد نفسه على الشفاء قبل أن يساعده الطبيب.
المفكر السعودي تركي الحمد يطرح السؤال السهل الممتنع.. لماذا نكتب ؟ فيقول: نكتب لأن الكتابة تُشعرنا بأنها رابطة خفيّة المعالم تربط بعضنا ببعض كأفراد، فتخلق منّا كلاً واحداً هو الإنسان.. ففي الكتابة تضيع الفردية وتغرق الذات في بحر المجموع، فتحس بأنها ما جائت عبثاً ولن تذهب عبثاً. في الكتابة أمور كثيرة تقولها لنفسك، ولكن هذه النفس تحس بأنها ما عادت نفسك أنت كفرد، بل تصل إلى إحساس مبهم بأن نفسك استحوذت على جوهر الإنسان، فتخاطب الإنسان من خلال خطابك لنفسك.. إن في ذاتك يكمن سر الوجود وكنهه الذي ما فتئ العاقلون في هذا العالم يبحثون عنه، فأنت العالم والعالم أنت، وكلما عرفت ذاتك أكثر أدركت معنى العالم ومعنى الوجود..
وكلما كان أسلوب الكتابة سهلاً تلقائيا بلا تكلف معبراً عن روح وصدق الكاتب كلما وصل إلى عقل ووجدان القارئ وقناعته ومن ثم حبه ومتابعته لقلم الكاتب..
فالأسلوب الكتابي هو تقاطيع الذهن وملامحه، وهو منفذ إلى الشخصيّة أكثر صدقاً ودلالة من ملامح الوجه. ومحاكاة الكاتب لأسلوب غيره أشبه بارتداء قناع وهو ما يلبث أن يُثير التقزز والنفور لأنه ميت لا حياة فيه، والتكلف في الأسلوب أشبه ما يكون بالتلاعب بملامح الوجه وفوق ذلك كله فإن اللغة التي يكتب بها الكاتب هي بمثابة تقاطيع الوجه من الأمة التي ينتمي إليها.
و يُلخص المفكر سومرست موم قوانين الأسلوب في الكتابة بقوله: القانون الأول هو: إن الأسلوب الجيّد هو الذي لا يبدو فيه أثر جهد الكاتب وإنما تبدو الكتابة كأنها متعة للكاتب نفسه.
القانون الثاني هو: إن على الكاتب أن يكتب باللغة السائدة في عصره. لأن اللغة كائن حيّ ينبض بالحياة. وهي كالكائن الحيّ دائمة التطوّر والتغيّر.