دقَّ الرهطُ السياسي الدولي رحاله في قطر، لمناقشة أخطر القضايا التي تُحيق بمنطقة الشرق الأوسط، ومهددات الاستقرار في العالم. وحضر الدوحة قطبا السلم والحرب الدوليين، وزير خارجية الولايات المتحدة (جون كيري) ووزير خارجية روسيا ( سيرغي لافروف) اللذين التقاهما صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حيث كانت قضايا الإرهاب والنووي الإيراني – بعد التوصل إلى اتفاقية جنيف ( 5+1) مع إيران، حاضرةً في الاجتماع المذكور.
ولقد أعرب سمو الأمير عن أمله ‘بأن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، إضافة إلى تجنب سباق التسلح فيها’. وتلك إشارة لمَاحة لواقع المنطقة التي يستوجب عدم حصول أي طرف مهما كان على السلاح النووي، بما في ذلك إيران وإسرائيل.
ولقد شهدت الدوحة محادثات مطولة بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزير الخارجية الأمريكي (كيري)، وهي من أهم المحادثات المتعلقة بمستقبل علاقة (التعاون) والمجتمع الدولي مع إيران. وكذلك تعقب الإرهاب وتجفيف منابعه.
ولقد أكد سعادة الدكتور خالد بن محمد العطية وزير الخارجية في دولة قطر أن ‘هذا الاجتماع يأتي في إطار تنفيذ الأهداف والغايات التي تحقق مصالحنا المشتركة’. مشيراً إلى أن الاجتماع ‘ يعقد في ظل ظروف إقليمية ودولية استثنائية، وتحديات غير مسبوقة يواجهها العديد من مناطق العالم، وبخاصة منطقة الشرق الأوسط، تستدعي منا ومن الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهود لمواجهة كافة التحديات التي تعترض مجتمعاتنا، من أجل إحلال السلم والأمن والاستقرار العالمي’.
الاجتماعات طالت قضايا العالم ومنها: العراق، الإرهاب، النووي الإيراني، الوضع في سوريا واليمن والسلم والاستقرار الدوليين.
إن الأوضاع في العراق منذ 2003 لم تزل تراوح مكانها، ولم يسعد الشعب العراقي بما أمّله من ديمقراطية ودولة مؤسسات، لأن الحكم فيه ما زالت يتكئ على المحددات التاريخية المستمدة من النزاع المذهبي، وفي ظل هذه الأوضاع، تسنح الفرص ليس فقط للتدخل الخارجي، كما حدث في جنوب العراق، بل لانتعاش العصابات المسلحة والمتطرفة التي لا تعرف إلا الدمار وقتل الأبرياء دونما مبرر أو هدف.. والأمل يحدو الجميع بأن تتمكن كل الأطراف الفاعلة في القرار السياسي الدولي وضع حلول عاجلة لمناطق التفجر في المنطقة (العراق، سوريا، اليمن). أي أن تكون هنالك ‘حزمة ‘ واضحة ودقيقة تنهي مأساة الشعوب العربية في تلك البلدان. ولكن يبدو أن الطرفين (الأمريكي والروسي) غير متفقين على أي شكل من هذه ‘الحزمة’، لاعتبارات إستراتيجية ومصالحية.
اجتماع هام ومؤثر استهدف إيجاد حل للأزمة في سوريا بين سعادة وزير الخارجية ونظيره الروسي، حيث صرح وزير الخارجية بأن الاجتماع استهدف مناقشة أفضل السبل للخروج من أزمات المنطقة، بما يعطي الشعب السوري الأمل، معبراً عن الأمل في أن ‘يقف الجيش السوري إلى الشعب السوري ويحميه، ولكن للأسف وجدناه هو من يقتل الشعب ويرمي البراميل المتفجرة ويدمر المنازل’.
في الوقت الذي أثار فيه (لافروف) أن ‘استمرار أزمات المنطقة لا يخدم أي جهة ، بل يخدم الإرهاب الذي تتزعمه (داعش) و(جبهة النصرة)، إلا أن الوزير ذاته أشار إلى عدم ‘جدوى توجيه ضربات عسكرية في سوريا’، معتقداً ‘أن ذلك سيخلق مشاكل أكبر، وسيعقّد أية إمكانيات للحل السياسي.
وأشار إلى أنه أبلغ وزير الخارجية الأمريكي بعدم جدوى إرسال قوات أمريكية إلى سوريا، و’علينا العمل جميعاً لتعزيز هذه المبادرة’. في الوقت الذي انتقد فيه ‘اعتزام واشنطن تسليح المعارضة السورية’، موضحاً أن ذلك سوف يعقد الأمور ويفاقم المشكلة.
وهذه نقطة خلاف رئيسية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة وبين روسيا، مهما حاول الجانب الروسي ‘التلطف’ بعبارات مخملية، ولكأنه يمارس ‘التقية’ على الطريقة الإيرانية بثوب جديد.
المهم في اجتماعات الدوحة، حصول تفاهمات حول ‘التزام واشنطن بالعمل مع دول التعاون لمنع وردع أي تهديدات خارجية’، وهذا بحد ذاته يُعتبر انجازاً للسياسة القطرية، التي ترأس حالياً دورة مجلس التعاون، لمنع أية اهتزازات في المنطقة، ولدعم التناغم السياسي ومبدأ حسن الجوار والنأي بالمنطقة عن التجاذبات السياسية ونتائجها العسكرية.
تظل الدوحة واحة أمان، وموئل الساعين نحو جعل هذا العالم أكثر أمناً واستقراراً، والنأي بهذا الكوكب عن أية منغصات تطال الإنسان وتعكر صفو حياته.
إن الاجتماعات الأخيرة التي احتضنتها الدوحة تدلل بصورة واضحة على أن القرار السياسي الدولي لا يمكن ‘جغرافيته’ في بلد معين، وأن الدور الذي تلعبه دولة قطر يستهدف تجنيب هذا العالم المزيد من الكوارث والنائبات التي تعود به القهقرى، حيث لا يسعد فيه الإنسان، ولا تتوافر فيه فرصة لتطوير هذا الإنسان، وجعله يتواءم مع متطلبات العصر الحديث.