محطات / القضايا المحقة لا تحتاج لكذب
سامي النصف
لم يضر أحد القضية الفلسطينية في بدئها كما أضر بها راعيها وولي أمرها آنذاك المفتي أمين الحسيني لأسباب خافية، فقد تشدد وتطرف ورفض كل الحلول الواقعية والسلمية التي كانت ستنقذ أغلب الشعب الفلسطيني من محنته وتعوض القلة القليلة الباقية كحل الدولتين الذي دعت له لجنة بيل الملكية البريطانية عام 1937 إبان محاولة الإنجليز إرضاء العرب والذي يعطي الفلسطينيين 90% من الأرض، ومشروع التقسيم الأممي عام 1947 ومشروع ايزنهاور عام 1957 وقد تم رفض جميع تلك التسويات من المفتي ومن أتى بعده بحجة ان القضية الفلسطينية لا مثيل لها في التاريخ ومن ثم اصبح ذلك القول مبررا للتشدد، فما صحة تلك المقولة؟
***
مساحة فلسطين التاريخية من النهر الى البحر نحو 27.500كم2 وقد أعطى قرار التقسيم الأممي رقم 181 الصادر في عام 1947 نحو نصف الأرض للدولة اليهودية ونصف الأرض تقريبا للدولة الفلسطينية وقد نتج عن رفض قرار التقسيم والحرب اللاحقة عام 1948 تهجير نصف مليون فلسطيني رأى المفتي ان تركهم لأرضهم سيساعد على تحرك الجيوش العربية على أرض فلسطين، كما ان وجودهم – حسب دعواه – خارج وطنهم سيسهل من عملية تدريبهم وتسليحهم وعودتهم ظافرين كجيش تحرير رغم علمه بظروف الدول العربية المحيطة واستحالة تشجيعهم لذلك الخيار، وزاد الطين بلة دعوته لأن يتواجد المهجرون في مخيمات فلسطينية دائمة للاجئين في الدول التي ارتحلوا إليها بدلا من الاندماج في دول الاغتراب وهو أمر لم يقم بمثله الأرمن والأكراد والشيشان وغيرهم وبذا قضى على حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني بحجة الحفاظ على قضيته حية في الوجدان وهي كذبة أخرى، فلم ينتج عن مخيمات اللاجئين إلا الدمار حيث لا دراسة نوعية للأطفال بل جهل تام وحمل الشباب السلاح ضد القريب قبل الغريب.
***
للمعلومة.. في عام 1948 قام ستالين بعد ان سيطر الحزب الشيوعي على الحكم في جمهورية تشيكوسلوفاكيا آنذاك بالاستيلاء التام على اقليم السوديت الذي تبلغ مساحته 29 ألف كم2 أي أكبر من مساحة فلسطين بأكملها وقام بتهجير قسري لـ 2.85 مليون تشيكي من أصل ألماني من بلدهم التشيك الذي عاشوا فيه طوال عمرهم الى ألمانيا حيث اندمجوا في بلدهم الجديد المدمر ولم يعيشوا في مخيمات لاجئين، ويخبرني قبل أسابيع قليلة صديق تشيكي من أصل لبناني اثناء زيارتي لمدينة كالفافاري في اقليم السوديت غرب التشيك عن عجوز ألماني زار منزل الصديق اللبناني دون سابق معرفة وطلب منه ان يتجول في المنزل، حيث انه ولد به وعاش فيه طفولته قبل ان يطردهم ستالين.
>>>
وفي عام 1945 وفور انتهاء الحرب الكونية الثانية قام ستالين باتهام التتار المسلمين بأنهم تعاونوا مع هتلر لذا قام بتهجيرهم من موطنهم الأصلي في شبه جزيرة القرم والذي تبلغ مساحته 26 ألف كم2 أي تقريبا نفس مساحة فلسطين واستبدلهم بالروس والأوكرانيين الذين يتقاتلون هذه الأيام على ضم القرم لروسيا أو أوكرانيا في ظل غياب أهلها الأصليين الذين يوجد ما يقارب 5 ملايين منهم في تركيا، لقد نتج عن الحروب المتتالية في أوروبا والبلقان إزاحة المنتصر للمهزوم، والحال كذلك آنذاك في جنوب افريقيا وروديسيا والجزائر.. إلخ وتم حل تلك الاشكالات في النهاية عبر المفاوضات وحلول الممكن لا طلب المستحيل.
***
آخر محطة: 1 ـ في عام 1956 سوقت صحافة هيكل وإذاعة أحمد سعيد أن العدوان الثلاثي على مصر الذي حدث في نهاية أكتوبر بهدف الإطاحة بحكم الرئيس جمال عبدالناصر أمر لا شبيه له في التاريخ كونه اعتداء من قبل دول كبرى (بريطانيا وفرنسا) ممثلة في مجلس الأمن مثنين في الوقت نفسه على دور الاتحاد السوفييتي ودول الكتلة الشرقية في دحر العدوان غير الإنساني.
2 ـ ما لم يقله الإعلام الهيكلي ـ السعيدي آنذاك وحتى اليوم ان في تلك الأيام نفسها قامت قوات الاتحاد السوفييتي ودول حلف وارسو بعمل مثيل، حيث تم غزو هنغاريا في نوفمبر 1956 والقبض على رئيس وزرائها «امري ناغي» وإعدامه بناء على طلب الرئيس نيكيتاخروشوف، وقد ادعى بعد ذلك ان الاتحاد السوفييتي وكتلته هم أنصار الشعوب ومحاربو الاستعمار وتلك اكذوبة كبرى أخرى، حيث كان الاتحاد السوفييتي المستعمر الأكبر للشعوب!