– الأنباء
علق وزير الأشغال العامة ووزير الإسكان السابق بدر الحميدي على ما عرضته «الأنباء» نهاية الأسبوع الماضي حول الوثيقة التي قدمها وزير المالية أنس الصالح عن الأوضاع المالية الحالية والمستقبلية للدولة (عدد الأربعاء 9 يوليو) والحلول التي قدمها لإعادة التوازن للسياسة المالية شبه المنفلتة حاليا. وفيما يلي تعليق الحميدي الذي عاصر فترة مهمة في الحكومة وعرف كيف تسير مجريات القرارات فيها: لقد قرأت وثيقة وزير المالية أنس الصالح لمعالجة الوضع المالي للدولة، ومن وجهة نظري، أرى ألا وزير المالية ولا مجلس الوزراء يستطيع معالجة الوضع المالي للدولة لعدة أسباب:
أولا: لقد تراكمت وتجمعت وانتفخت الميزانية للدولة، وخاصة بند الرواتب الذي اصبح امرا واقعا وترتب عليه الالتزام الكامل من الدولة تجاه هذا البند الذي لا يمكن بأي حال تخفيضه، بل على العكس يزيد زيادة كبيرة جدا سنويا مع كل دورة مالية.
ثانيا: البلد وقف حاله من اي استثمارات واقعية تساعد القطاع الخاص في تحمل جزء كبير من قطاع التوظيف لدى الدولة، وأصبحت الدولة وكأنها رجل يملك عمارة تدر عليه من مدخول الإيجار ويصرف على عائلته من دخل هذه العمارة، وهو معتمد على القيمة الإيجارية. وفي حال انخفاض قيمه الإيجار تبدأ المشكلة لديه لأن لديه مصاريف ملزم بها، ولا يمكن التنازل عنها، ولم يفكر يوما في أن الإيجار سينخفض، وبالتالي تنخفض وارداته المالية، ولم يعمل للمستقبل في تنويع مصادر دخله. وهذا المثل ينطبق على الدولة، اذ لم تنوع مصادر دخلها، ولم تنشئ لديها قنوات استثمارية أخرى تعادل مدخولها من النفط ولا يوجد لديها الا استثمارات من اصل الأموال الفائضة التي تديرها هيئة الاستثمار، وما يصرف على هذه الهيئة يعادل ثلث مدخول الريع عدا الخسائر من بعض الاستثمارات او الضرائب التي تدفع. وهذا يعني أن ميزانية الدولة تقف صلبة فقط على عائد النفط، وفي حالة انخفاض سعر برميل النفط، وهذا الأمر وارد حدوثه، فستكون الدولة في خطر حقيقي يؤثر على اقتصادها بشكل مباشر.
ثالثا: كان الأجدر على من تسلم زمام الأمور المالية ان تكون لديهم رؤية مالية استثمارية، وكان المفروض ان يقفوا أمام زيادة الكوادر وإنفاق الدولة الباذخ الذي حدث من دون مراعاة تنمية مصادر الدخل. وحسب مشاهدتي، فالآن في الكويت لا توجد رؤية او مخطط او خارطة طريق، لأن الفرصة ضاعت على الحكومة، ولم تستمع لما يطرح من اقتراحات حول تنمية مصادر الدخل للدولة وتنويعها لتكون دولة منتجة للاستثمار، ولذلك يصح أن نطبق عليها المثل: «اذا فات الفوت ما ينفع الصوت». فعلى سبيل المثال من ضياع الفرص: تم وقف دور التنمية الحقيقي مثل المشاريع الضخمة (فيلكا وبوبيان والمطار والمنافذ الحدودية) وكثير من المشاريع التي كان يتبناها القطاع الخاص لتكون رديفا للحكومة في تحمل جزء كبير جدا من ميزانية الدولة، بشكل يجعل الأخيرة مرتاحة ماليا ومن دون التزامات مالية، لأن ما كان يفترض أن يقوم به القطاع الخاص في حال تنفيذ هذه المشاريع، هو ما تقوم به الدولة الآن من بناء البنية التحتية والخدمات والكهرباء وغيرها من الخدمات وكذلك يوفر فرص عمل لجزء كبير من ابناء الوطن.
ولهذا لا يمكن لأي وزير مالية ان يصلح الوضع الحالي الا بتعديل التشريعات القانونية وتخفيض مصاريف الدولة على الخدمات وتسهيل والمساعدة للقطاع الخاص في تحمل مسؤولية تقديم جميع الخدمات، واقصد بهذا التخصيص للكهرباء والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات دون الحاجة لفرض ضريبة تكون مرتعا للفساد، واذا لم تسر الدولة على هذه الخريطة، فلن تنجح اي فرص لتحسين أوضاع البلاد، لنستمر في تطبيق المثل: «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب».