عنوان الشعوب هي الاخلاق ، فهي أساس التقدم ، كما قال الشاعر ( إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ) فالأخلاق دور مهم في تنمية المجتمع أو تخلفه و بناء عليه تنهض دول او تسقط .
و رغم أن الشعب الياباني موارده محدوده و مع ذلك إستطاع أن يحتل مراكز متقدمة في التطور على مستوى العالم ، و سر تطور اليابان هو تركيز نظام التعليم لديهم على – الأخلاق و التهذيب – حيث يتم تدريس الطلاب مادة (الأخلاق) من الصف الأول الابتدائي إلى السادس ابتدائي إجباريا ، يتعلم منها الطفل كيفية التعامل مع من حولهم بأسلوب مهذب و لائق ، فكلمة السر لديهم الانضباط الصارم.
لن أطيل الحديث عليكم ، فقد قرأت مقالا رائعا بتحليل ممتاز للدكتورة مشاعل الهاجري
استاذ قانون بكلية الحقوق جامعة الكويت
أترك لكم المقال للاستفادة منه
حول فيديو سرقة الشاب الخليجي لبطة من إحدى الحدائق الأوروبية وطبخها، تتعالي بعض الأصوات الآن مستغربة كل هذا الاستنكار لفعل الشاب، مع ربط ذلك بالتعجب من السكوت – بالمقابل – على السرقات الكبرى والفساد في البلاد.
أخشى أن التعامل مع السلوكيات الخاطئة بمنطق تصنيف الجرائم إلى جرائم صغيرة وأخرى كبيرة فيه شيء من الخلط من حيث خلق حالة من التلازم بين منفصلين.
بعبارة أخرى، ما وقعت الجرائم الكبرى إلا بسبب استسهال الجرائم الصغرى واعتياد استصغارها والتقليل من تبعات آثارها، فالسرقات الكبرى هي نتائج وليست مقدمات: نتائج اعتياد الصغار على سعة الذمة واستحلال المال العام.
منذ سنوات، كانت مدينة نيويورك مرتعا للجرائم الكبرى (سرقات و مخدرات وقتل) إلى أن جاء عمدة جديد – “جولياني” – فكافح الجريمة بطريقة بدت للجميع مقلوبة؛ لم يركز العمدة جولياني أولوياته في القبض على السراق ومروجي المخدرات والقتلة، بل كانت أول واهم تعليماته لرجال الامن هي اظهار الشدة والضرب بيد من حديد (zero tolerence policy) على من يحتالون على ركوب المواصلات العامة دون دفع التذاكر ومن يشوهون الحوائط العامة بالجرافيتي ومن يشغلون الطرقات من دون ترخيص. ورغم أن تفاهة هذه الأولويات قد حيرت أهالي المدينة في بادئ الأمر، إلا ان سياسة جولياني قد أثبتت نجاحها وترسخت معها عقيدة احترام القانون لدى الناس في الصغيرة قبل الكبيرة (إحصاءات نسب الجريمة في الولايات المتحدة تعكس ذلك إلى اليوم).
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فهناك نظرية معروفة في علم الاجتماع الجنائي هي نظرية broken window theory أو نظرية النافذة المكسورة، ومرتكزها، باختصار، هو الملاحظة الحضرية/البلدية التي تبين معها أن المبنى اذا كانت جميع نوافذه سليمة فلن يفكر أحد بكسرها، ولكن إذا كسرت فيه نافذة واحدة فهناك فرصة كبيرة اننا لن نلبث أن نرى جميع نوافذه وقد كسرت بعد بضعة أيام، لأن السكوت على كسر نافذة واحدة من المبنى وعدم إصلاحها يحمل المارة على الإجتراء عليه وكسر بقية نوافذه من قبيل التعدي، تفريغ طاقة العنف، أو لمجرد التسلية.
الشاهد: أخذ مليون دينار من دون وجه حق هو سرقة، ولكن حتى أخذ طائر قيمته دينارين من دون وجه حق هو سرقة كذلك. كون المليون أكبر قيمة لا ينفي صفة الفعل الإجرامي من المسروق الأقل قيمة، لأن “إثبات الشيء لا ينفي ما عداه”، كما يقول الأصوليون.
(أما إن شئنا الدقة، فعندي ان صاحبنا سارق البطة أخطر من اللص المعتاد: لقد صور ثلاثة فيديوهات متتالية يظهر فيها هو مع رفاقه يسرقون ويحضرون ويطبخون، وفي جميعها كان يضحكون. هذا شخص يتبجح بسرقته بصلفٍ وبصفاقة؛ لم يترك لنا حتى هامشاً صغيراً للشك في دوافعه أو إمكان قيام احتمال لاحق لتأنيب الضمير: في احوال اخرى، كان يمكن ان يكون مجرد شاب مندفع ضبط في لحظة مغامرة طفولية مع أصدقاء، ولكنه كان يستمرئ ما يفعل ويباشره من منطلق مبدئي يتمثل في استحلال واضح، وهو منطلق تاكد في الصفة المرحلية لفعله، وفي تبجحه في كل مرحلة من هذه المراحل.
برأيي ان حتى الفساد له أصول وقيم، وقيم الفساد هي الخجل والمداراة وعدم الإعلان؛ ” اذا بليتم فاستتروا”).
باختصار: هذه الحادثة هي فرصة ممتازة للتوسع بالنقاش العام من مجرد التعليق على “حالة” الى مناقشة “ظاهرة”، ولمراجعة كل من منطقنا الجدلي و نظامنا القيمي معاً.
هذه حادثة صغيرة، ولكن ما نسمعه حولها له دلالات كبيرة.
استاذ قانون بكلية الحقوق جامعة الكويت
المحامية اريج حمادة