«أسوأ ما يتعلق بالاكتئاب، هو أن أحدًا لا يتحدّث عنه، حتى يموت أحدهم»، هكذا عبّرت إحدى مُستخدمات «هاشتاج» تصدّر موقع التدوينات القصيرة «تويتر» يوم الجمعة الماضي، دوّن المستخدمون فيه رؤيتهم لـ«أسوأ ما يتعلّق بالاكتئاب»، إلى جوار مجموعة من التغريدات الأُخرى التي باح فيها المُغرّدون برؤيتهم لطبيعة المرض النفسي بمنظور شعبيّ، ومن زاوية المُكتئبين أنفسهم، أو شهود على معاناتهِم من أهليهم أو أصدقائهم وجيرانهم.
وتقدّر منظمة الصحة العالميّة المكتئبين بحواليّ 350 مليون إنسان على وجه الأرض، وتتراوَح حدة المضاعفات بين تعثُر في مواصلة الحياة الاجتماعية بشكل طبيعي، وترشّح المكتئبين لفُرص أكبر من انعدام الرغبة في العمل، مرورًا بأداء متواضع في حقل الشغف لمستقبل أفضل أو الاندماج مع دوائر المعارف، وصولاً إلى ميول انتحاريّة تنهي المعاناة برُمّتها بحد مشرَط أو حبل مشنقة، في اسوأ الأحوال، بما يقدّر بمليون شخص منتحر كُل عام، حسب منظمة الصحة العالمية.
وفي حين يسكُن العالِم 350 مليون مُرشح محتمل للانتحار كحلقة خاتمة وقصوى للاكتئاب الذين يعانون منه، تقع المسؤولية على المُحيطين بهم أن يحولوا دون الوصول لذلك الفصل المأساوي بمزيد من التفهُم والوعيّ لطبيعة المضاعفات التي تلاحقهم.
«المصري لايت» في هذا التقرير تستعرض مجموعة من النصائح للأشخاص الذين لديهم صديق ذو ميول انتحارية في الجوار، يقدمها الدكتور «محمد المهدي» أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر.
11. اكتشف صديقك صاحب الميول الانتحاريّة
يعرّف الدكتور «محمّد المهدي» السلوك الانتحاريّ على أنه «عدوان موجّه نحو الذات بهدف إنهاء الحياة». ويمكن للشخص الذي يشك في أن أحد القريبين منه لديه ميول انتحاريّة أن يعرفهما فيه في علامتين أساسيتين هما «فقد الأمل»، و«فقد الحيلة»؛ فالشخص ذو الميول الانتحاريّة حزين على الدوام، منطوي، فاقد للأمل، لا يفكر في المستقبل.
وتظهر أمارات فقد الأمل وفقد الحيلة في اضطرابات نفسية وعضوية تصيب الشخص صاحب الميول الانتحارية، من بينها اضطرابات النوم زيادةً فتجده ينام لفترات طويلة ومتواصلة، أو نقصان فتجده يعاني من الأرق، واضطرابات الشهية كذلك.
وعلى الجانب الآخر تسود الشخص حالة عامة من الإحساس بالذنب، وجلد الذات، وتحميلها مسؤولية معاناة من حوله كموت شخص عزيز مثلاً، ولا تفلح معها أي محاولات من الآخرين لتخفيف هذه الأحمال عن عاتقه وإقناعه بأنه غير مسؤول عن معاناة أو موت أحد.
بالإضافة لانسحاب الشخص من الحياة الاجتماعيّة تمامًا، فيما يسمّى بـ«الخُلع الاجتماعي»، فلا هو يذهب لمقر عمله، أو يتابع مواقع التواصل الاجتماعي، أو يشارك أسرته وجباتهم على الطاولة.
ويحذّر الدكتور «محمد المهدي» من فترة حضانة الانتحار، التي قد تلتبس على المحيطين بالشخص ذي الميول الانتحارية، فيعتقدون أنما زايلته كل الصراعات التي كانت تستنزفه، ليظهر في حالة من السلام والهدوء النفسي، بينما يكون هو قد اتخذ القرار بالانتحار أخيرًا، ويتحيّن الفُرصة للتنفيذ.
10. ما ينبغي أن تفهمه عن طبيعة الانتحار
يوصي الدكتور «محمد المهدي» بمجموعة مجالات للمعرفة يستوجب على الشخص الذي يعتني بشخص مكتئب ولديه ميول انتحاريّة أن يطلع عليها ويقرأ فيها، من بينها القراءة عن مرض الاكتئاب، كمسبب رئيسي للانتحار، وكيف أنه بموجبه يحدث خلل في كيمياء المخ يؤدي إلى تحول الرغبة الطبيعية في الحياة والخوف من الموت إلى عزوف عن الحياة وميل للموت، عن طريق سيطرة «الثلاثية السوداء» على عقله ووجدانه: أنا سيئ، والحياة سيئة، والمستقبل مظلم.
إلى جانب معرفة وسائل الاقتراب من الشخص ذي الميول الانتحارية، والتي تتمثل في وسائل الاقتراب الوجداني، وتنطوي على قدر كبير من الطيبة والأصالة والاتصال غير اللفظي عن طريق الطبطبة والنظرات المُطمئنة التي تحتوي على وعد بالمساعدة وإيحاء بالتفهُّم، بعيدًا عن استخدام الكلام، في محاولة لتعديل الميزان في ذهن الشخص اليائس الذي ربما أصبح يعتقد أن الأشخاص جميعهم غادرون وسيئون، بإقناعه أن هنالك من استثناء لهذه القناعة التي وصل إليها.
9. تحديد موقعه من خريطة الانتحار
لأغراض تحديد مدى تعقُد الحالة، يشرح الدكتور «محمد المهدي» وسيلة سؤال الشخص صاحب الميول الانتحارية صراحة عن الأفكار التي تشغله حاليًا، لتحديد ما إذا كان في مرحلة تمني الانتحار، أو مرحلة أفكار الانتحار، أو مرحلة خطط الانتحار. وتكون هذه العملية عن طريق أسئلة هادئة ومتدرّجة: هل تفكر في الموت؟ هل تتمناه أم تخاف منه؟ هل تتمنى أن تموت بشكل طبيعي أم تقتل نفسك؟ هل فكرت في الوسيلة؟ على سبيل المثال.
كل هذه الأسئلة إلى جوار التاريخ العائلي ومدى قرب المحاولات السابقة للانتحار يُمكن على أساسها تقييم موضع الشخص من خريطة الانتحار، يستتبع ذلك العرض عليه أن يذهب لطبيب متخصص، أو وضعه تحت الملاحظة بعيدًا عن الأدوات التي قد تساعده على تنفيذ الانتحار، وتنبيه أسرته لأهمية الاعتناء به، دونما إفشاء أسراره بالطبع.
8. أسلوب الإقناع بقبول المٌساعدة
وفي حين قد يرفُض الشخص تمامًا أي تدخُلات من غُرباء لمساعدته على اجتياز هذه المرحلة، ينصح الدكتور «محمد المهدي» باستخدام أي شكوى عضوية مُصاحبة للاكتئاب كذريعة بإقناع الشخص للذهاب إلى الطبيب، كفقد الشهية أو الأرق كمدخل لطلب المساعدة من طبيب يعمل على راحته وتحريره من هذه المنغصات.
بينما يشدد على أن هنالك مراحل متقدّمة يصبح دخول الشخص معها للمستشفى إلزاميًا ولا يتطلّب موافقته، وذلك في حالة أن وجوده بمفرده يشكل خطرًا على سلامته، أو سلامة الآخرين.
7. توقّع احتمالية الإصابة بميول انتحاريّة
وفي حين يشكل الاكتئاب سببًا رئيسيًا للانتحار، فحسب الدكتور محمد المهدي، فإن بعض الأمراض العضوية التي تسبب آلامًا شديدة من شأنها أن تدفع الشخص للانتحار للتحرر من هذه الآلام، كمرض السرطان على سبيل المثال، أو توصم الشخص المصاب بها بأحكام أخلاقية سلبية، كمرض الإيدز، هذا بالإضافة للجوء بعض الأشخاص للانتحار لإيلام ولوم أشخاص آخرين وتحميلهم المسؤولية وإشعارهُم بالذنب، كانتحار المُحبين، أو ضغط الظروف الاقتصادية الطاحنة والعجز عن توفير سبل العيش، وتقديم رسالة للمجتمع عن طريق انتحار احتجاجيّ كأن يلقي الشخص بنفسه من فوق أحد الجسور أو الكباري، أو يشنق نفسه على لوحة إعلانات.
وفي حالة توفّر أي من هذه الظروف، كالأمراض المستعصية، أو العلاقات العاطفية الفاشلة، أو الأزمات الاقتصادية الخانقة لابُد من شمول الشخص بالعناية والدعم الوجداني لتخطّي مثل هذه الأفكار التي قد تراوده.
6. كلمة السر: الإنصات، والنصائح مرفوضة
قد يمتلك حزمة من الأدلة العقلية التي يبرر بها ميله للانتحار ويُذيل بها الإعلان عن رغبته، إلا أن إن أكثر ما يحتاجه هذا الشخص -حسب الدكتور محمد المهدي- هو شخص يسمعه ولا ينهره، بينما يتفهّم ويعي تمامًا مُعاناته وظروفه، هذا مع تقييم إعلانه عن رغبته في الانتحار تلك: هل هي رغبة حقيقية نابعة من معاناة حقيقية، أم أنه أمام إعلان ابتزازي لدفع المحيطين لتلبية رغبة لذلك الشخص عن طريق التهديد بالانتحار، وفي كل الأحوال يجب أخذ الأمر على محمل الجد لأنه متعلق بالحياة والموت، ووضع الشخص تحت الملاحظة ومنعه عن المضي قدمًا في هذا الفعل.
وفي حين يعتقد البعض أن الشخص صاحب الميول الانتحارية يفتقر إلى النصيحة، يشدد الدكتور محمد المهدي، أن النصائح مرفوضة شكلاً وموضوعًا؛ لأن النصائح تنطوي على قدر من التكليف، بينما الشخص فاقد لكل قدرة، وكل رغبة في القيام بأي شيء.
5. أمّن مكان الإقامة
في حالة أن شخص ما أفصح عن رغبته في الانتحار، أو حاول بالفعل، فإن المكان الذي يقطن فيه يجب أن يتحلى بمجموعة من المواصفات، لعل أبرزها أن تنعدم فيه وسائل الخطر، كأن يكون في إحدى الأدوار العليا، أو تتوفر فيه أحبال تصلح لصنع مشنقة، أو أسلحة بيضاء أو نارية، مع تأمين مصادر النيران.
بالإضافة إلى ضرورة ألا يكون وحيدًا، بل تحت المُلاحظة طوال الوقت، وبخاصة في الأوقات التي يعتقد فيها أنه منفرد بنفسه كوقت النوم أو دخول الحمام، لأنها من أبرز الأوقات التي يتحيّن فيها الشخص تكرار المحاولات، وذلك لحين تواري أمنيات وأفكار وخطط الانتحار من عقله، ووجود مؤشرات لاندماجه مع المجتمع.
4. فرّق بين الرغبة في إيذاء الذات، والميول الانتحاريّة
قد يصل العدوان تجاه الذات إلى الرغبة في إنهاء الحياة، لكن تسبق هذه الدرجة درجات من إيذاء الذات، كمحاولات تشريط اليد، أو جرح البطن بمشرط، يصبح معها رؤية الدم السائل وسيلة للاستمتاع والسعادة للشخص القائم بها بالرغم من الشعور بالألم، لأنها تؤمن لها وسيلة من التطهر وعقاب الذات نتيجة للإحساس بالذنب.
وبالرغم من خطورة إيذاء الذات، إلا أنها درجة من درجات العدوان الموجه المُبكّرة والتي يصبح التفاهُم والعلاج معها أقل صعوبة وأكثر جدوى، لحقيقة أن الشخص لم تواته الشجاعة لإنهاء حياته.
3. لا تتجاهل الإعلانات الزائفة عن الرغبة في الانتحار
حسب الدكتور «محمد المهدي»، فإن بعض محاولات الانتحار قد تكون شكل من أشكال البحث عن الاهتمام، أو الابتزاز العاطفي، ويمكن تمييزها عن المحاولات الجادّة بأنها دومًا ما تحدث في حضور شخص يستطيع الحول دون أن تتم، أو تستخدم فيها وسائل غير فعالة في الانتحار، كمشرط غير حادّ أو دواء غير قاتل، بينما الشخص الجادّ فإنه غالبًا لا يهتم بأن يعلن، صامت منطوي لا يحدث جلبة.
يتوجّب عدم تجاهل هذه المحاولات الابتزازية حتى، لأن نسبة 12 % من هذه المحاولات الزائفة قد تموت بالخطأ، دونما رغبة حقيقية منها في ذلك، كأن تتناول دواء لديك حساسية تجاه مادته الفعالة، بالرغم من أنه غير قاتل. ذلك مع التشديد على عدم تحقيق أي مكاسب للشخص القائم بالتهديد بهذا النوع من الانتحار الابتزازي، أو الانصياع لضغوطه حتى لا يكرر استخدام هذه الوسيلة في الضغط.
2. مواقع التواصل الاجتماعي عدوّة، وليست صديقة
الحقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي تفتقر للغة التواصل غير المكتوبة أو المنطوقة كتعبيرات الوجه، فإنها أكثر احتمالية أن تفهم رسائلها بشكل خاطئ، كأن يعلّق أحدهم أحد التعليقات التي قد يفهم منها الشخص أنها تعليقات سلبية توصله لقناعة أن الجميع ضده وأنه مكروه ومهدد، ويتوجّب عليه الشعور بالخطر، فإن الدكتور «محمد المهدي» يعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تزيد الأمر سوءًا في حالة إصابة الشخص بميول انتحاريّة، بينما يزكّي التواصل والقرب الإنساني المُباشر.
1. النصيحة الذهبية: حذارِ من الأحكام الأخلاقية والقيمية
الشائع في التعامل مع الأشخاص الذين يمتلكون ميولاً انتحارية وصمهم بأنهم أشخاص خارجين عن الدين والملّة، ويائسين من رحمة الله، وهنا يحذر الدكتور «محمد المهدي» من إصدار أي أحكام قيمية على الشخص الذي يعلن عن رغبته في الانتحار، أو الذي حاول بالفعل، لأن مثل هذه الوصوم والأحكام من شأنها أن تورثه ألمًا أعمق، وتزيد من خطورة حالته، بينما يحتاج هذا الشخص لمزيد من الإنصات والتفهم والمساعدة والاقتراب الإنساني، والتواجد إلى جواره طوال الوقت.