أوروبا واللاجئون..
معاناة بلا حدود
فوزية أبل
علاقة «الوهج الحضاري» بين العالم العربي وبين أوروبا والعالم تحولت خلال الأشهر الأخيرة إلى علاقة متأزمة، لا لشيء إلا لأننا صرنا «نصدّر» إلى الخارج ملايين من المشردين والنازحين والمهاجرين. فلم يكن أحد يصدّق ما نراه هذه الأيام من تدفق أعداد هائلة من السوريين ودول المغرب العربي وغيرهم، عبر البحار أو اليابسة، هربا من المآسي والحروب التي تهزّ بلدانهم. قلائل هم النازحون الذين يتمكنون من إيجاد وسيلة للعيش اللائق في بلدان قريبة أو بعيدة، مستفيدين من معونة بعض الأقارب، أو من مساعدات بعض الهيئات الإنسانية. لكن الذي حصل في المدة الأخيرة هو أن الهيئات الدولية المعنية أعلنت عن تخفيض هائل في ميزانيتها، وصارحت المجتمع الدولي بأنها باتت عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من العون المطلوب للجماعات المهاجرة، وحتى للذين هم نازحون داخل بلادهم! ليس هذا فحسب، بل أن العديد من الدول الأوروبية والآسيوية بدأت تضع «حدودا عددية» للنازحين الذين تستطيع استيعابهم، لأن بعض الدول لا يتحمل وضعها الاقتصادي استقبال مئات الألوف من القادمين من شرق آسيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط. يكفي أن نذكر الوضع الصعب الذي تعيشه اليونان، الغارقة في الديون والمضطرة لتنفيذ إجراءات مرهقة من التقشف، وإذا بها تجد أعدادا هائلة من اللاجئين يتدفقون إلى سواحلها، فماذا تستطيع أن تفعل؟! أما تركيا فوضعها الأمني مضطرب أصلا، واقتصاديا لا تتحمل مزيدا من النازحين، وإذا بها تستغيث داعية الأمم المتحدة ومؤسساتها لتقديم الحد الأدنى من المساعدة. وهناك نزوح يجري من تركيا (عن طريق البر وليس البحر فقط) إلى أنحاء من أوروبا، وإذا بعضهم يصطدم بـ«الحاجز» القانوني، المتمثل في الإجراءات الأوروبية الصارمة. وأسوأ ما في هذا المشهد الدراماتيكي هو ما يفعله «تجار المهاجرين»، الذين يقومون بابتزازهم وتحصيل آلاف الدولارات من كل شخص لأجل نقله إلى «شاطئ الأمان»، وأحيانا لا يتم تنفيذ ما اتفق عليه. وأخطر مثال على ذلك، ما قام به قبطان سفينة قبل أسابيع، إذ ارتضى صعود مئات من السوريين المقيمين مؤقتا في تركيا إلى السفينة، لكنه راح يتجول بهم لمدة يومين في البحر، متظاهرا بأنه سينقلهم إلى اليونان وسواها، لكن، ها هي المفاجأة المرعبة: لقد أعادهم إلى نفس الميناء الذي انطلقت منه السفينة، بعدما حصل من كل واحد منهم على أكثر من أربعة آلاف دولار! الآن، فإن قمما أوروبية تعقد لأجل إيجاد صيغة للتعامل مع آلاف المهاجرين، والتنسيق مع مؤسسات دولية، لكن لا يلوح في الأفق حل جوهري لموضوع الهجرة والرحيل الجماعي إلى القارة الأوروبية، المثقلة أصلا بمشاكل اقتصادية وأمنية. وبالطبع، فإن الحل الجذري لن يتوفر إلا بعد إيجاد حلول جوهرية للحروب الأهلية والأزمات المتفاقمة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وسواها.