‘إيلان’ بين الكفر والإيمان
د. حسن عبدالله جوهر
صورة الطفل السوري ‘إيلان’ ذي الربيعين من العمر فقط، والهائم على وجهه البريء على رمال البحر غرقاً ومرتدياً القميص الأحمر، هزت مشاعر العالم وألهبت القلوب، وفجرت ثورة إنسانية عصفت بأوروبا وأستراليا وأميركا الشمالية، في حين لم يرمش للعرب من المحيط إلى الخليج جفن يقطر منه ذرفة من الحياء.
بلاد الكفر فتحت أبوابها رغم إقرارها للتو قوانين صارمة ضد الهجرة، وجماهير الكفار في أرجاء أوروبا خرجوا بالآلاف يحملون الطعام والزهور والهدايا لاستقبال حشود اللاجئين السوريين، رافعين لافتات كبيرة بعبارات الترحيب والضيافة، وعشرات الآلاف من البيوت الأوروبية، بدءاً من مساكن رؤساء الحكومات وكبار المسؤولين وانتهاءً بالمواطنين العاديين، أعلنت استضافة العوائل السورية، في مشهد يدرّسه المسلمون لأطفالهم في المدارس يعرف باستقبال أنصار المدينة المنورة لمهاجري مكة المكرمة، ولكن صار من نعتبرهم كفاراً ومشركين هم من يجسدونه عملياً.
الكثير من الدول العربية ساهمت بشكل رسمي أو شعبي، ومن خلال المال والسلاح والإعلام، في مجازر السوريين فيما بينهم، إما باسم الدين أو العروبة أو حتى الإنسانية حتى دمرت سورية عن بكرة أبيها، وشرد شعبها المسكين في البراري، وكان أحسنهم حالاً من نصبت لهم الخيام على حدود لبنان والأردن وبتمويل من الأمم المتحدة، أما بقية الدول العربية التي أشرفت بشكل مباشر على الحرب الأهلية السورية، وتدفقت منها مئات الملايين من الأموال، فلم تستضف عائلة سورية واحدة، بل منعت حتى عوائل المقيمين على أراضيها من زيارة ذويهم ولو بشكل مؤقت، بل زادت بترحيل المئات منهم عن ديارهم!
الشعوب العربية قادت نضالاً مريراً، وخاضت حروباً طويلة للتحرر من الاستعمار الأوروبي؛ لإجلائه عن أراضيها لتحقيق حلم الاستقلال والوحدة العربية بوعود من الدول العربية الثرية، وقدّمت الآلاف من الشهداء لتعيد بناء نفسها وفق شعارات جديدة في طليعتها العروبة والتقدمية، لكن أبناء قادة التحرير وأسر الشهداء باتوا على أبواب الدول الاستعمارية كملاذ للأمان، والهروب من نحرهم وسبي نسائهم واستعباد أطفالهم، إما من حكومات الجور أو عصابات الإرهاب المتأسلمين وبشعارات ‘الله أكبر’!
فهل من صورة أبلغ على حالة الذل والمسكنة والمهانة هذه التي تعيشها العديد من الشعوب العربية في عصر الفضاء والتكنولوجيا والعولمة؟ ومن المسؤول عن تحول العرب إلى غيلان في حين سادت بلاد الكفر علامات الإيمان؟ ولماذا تحوّل العرب إلى وحوش في حين صار الغرب مصداقاً لتعاليم ديننا وقرآننا وتاريخ أسلافنا؟ لتذهب إلى الجحيم نظريات المؤامرة! فأي مؤامرة عندما يقف الآلاف من مشجعي مباراة كرة القدم الأوروبية على مدى أسبوع حداداً على الطفل ‘إيلان’ ودموعهم تتلألأ في عيونهم في حين أن العرب هم من دمروا قرية ‘إيلان’ وهم من شردوه وهم من أغرقوه، ومع ذلك كله فإنهم حتى لم يبكوه، فقد يكون ذلك من بدع الشرك والضلال؟!