هل ينقضُ العرب ادعاءَ رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير عندما أحرقوا المسجد الأقصى عام 1969، حيث قالت آنذاك: ‘لم أنم ليلتها وأنا أتخيل أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجاً من كل صوب، لكنني عندما طلع الصباح ولم يحدث أي شيء، أدركت أن باستطاعتنا فعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة’!.
هل نحن وبعد 46 عاماً على تلك المقولة (أمة نائمة) فعلاً، وأن إسرائيل باستطاعتها فعل أي شيء؟.
كل المؤشرات، للأسف، تشير إلى صحة تلك المقولة، وأن تلك المقولة مازالت تعتبرها إسرائيل أحد المبادئ الأساسية في سياساتها في المنطقة العربية، وبالأخص في الأماكن المقدسة.
إن المسجد الأقصى بناه الأنبياء من عهد آدم عليه السلام، وعمّره سيدنا إبراهيم عليه السلام حوالي 2000 عام قبل الميلاد، كما عمّره ابناه إسحق ويعقوب عليهما السلام، كما جدده سيدنا سليمان عليه السلام حوالي 1000 عام قبل الميلاد، ولم يكن قبله كنيس ولا هيكل ولا معبد. وهذا يُسقط الدعاوى اليهودية المتطرفة لأحقية اليهود في المسجد.
الاقتحام الجديد صباح الأربعاء الماضي 16/9/2015، وإقامة صلوات توراتية فيه مخالف للاتفاقيات، إذ إنه من المتعارف عليه أن يُسمح لليهود بدخول باحة المسجد الأقصى بدون أن يُسمح لهم بالصلاة فيه، الاقتحام كان لابد وأن يقابل بالرفض من الشبان الفلسطينيين، وهنا تدخلت الشرطة الإسرائيلية مدَّعية بأن الشبان الفلسطينيين يرشقون عناصر الأمن بالحجارة. وتناسى بيان الشرطة السبب الرئيسي في القضية وهو مخالفة اليهود الأعراف ودخولهم الهمجي وأداء صلواتهم في مكان له قدسية خاصة عند المسلمين.
ولقد أصيب 21 فلسطينيناً في بداية الاشتباكات، كما أن هذه الاشتباكات طالت مناطق أخرى في البلدة القديمة بالقدس، حيث استخدمت الشرطة الغاز المسيّل للدموع والقنابل الصوتية.
المرابطات والمرابطون من أبناء الشعب الفلسطيني اكتفوا بترديد (الله أكبر)، فيما قابلتهم الشرطة بالعنف والقنابل المسيّلة للدموع.
هل ما قام به اليهود المتطرفون تحت حماية الشرطة الإسرائيلية جاء عرضاً، ودون قصد؟ بالطبع لا.. لأن مخطط تهويد القدس وإخلائها من المسلمين موجود على أجندات كل الحكومات الإسرائيلية، كما أن التقسيم المكاني والزمني الذي تحاول إسرائيل فرضه ما هو إلا بداية لتحقيق التهويد وطرد الفلسطينيين من كافة أنحاء القدس.
ومن المتوقع أن تتفاقم عمليات اقتحام المسجد الأقصى يوم 24/9/2015، الذي يمثل (عيد الغفران) لدى اليهود، ومن المفارقات أنه يشكل عيد الأضحى عند المسلمين.
ولقد نفى بعض الكتاب العرب ارتباط أعمال الاقتحام هذه بأنها نابعة من (فكر توراتي) أو أن لها مرجعية تلمودية، لأن التوراة التي نزلت على سيدنا موسى، هي عهد الله القديم مع البشر، ولا يمكن أن يعاهد الله البشر على القمع والظلم والإرهاب. (الشرق – 17/9/2015).
فهل ستندلع أعمال عنف جديدة يوم العيد؟ أم أن الرصاص سوف يحكم الموقف وتنفذ إسرائيل ما تريد، كما قالت جولدا مائير عام 1969.
مجموعة كبيرة من الاتصالات حدثت بين الزعماء العرب في محاولة لبلورة موقف موجد يوقف الاعتداءات الصهيونية على المقدسات الإسلامية.
فقد دعا حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، إلى أهمية وحدة الصف العربي والإسلامي من أجل دعم وحماية حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق.
كما دعا سموه، خلال اتصال مع الملك محمد السادس، ملك المغرب، إلى وضع حد للعدوان الإسرائيلي الغاشم على القدس وعلى الحرم القدسي الشريف ومواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف تقسيم الأقصى مكانياً وزمانياً. كما بحث سموه ذات الشأن مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث اتفق سمو الأمير والرئيس التركي على ضرورة تكثيف الجهود من أجل اتخاذ موقف موحد لدعم وحماية حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وحث المجتمع الدولي على وضع حد للعدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى المبارك.
كما تلقى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية، اتصالاً هاتفياً من الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية.
كما أجرى العاهل السعودي اتصالات مع رؤساء كل من: أمريكا، روسيا، فرنسا، بريطانيا، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة الذي أعلن إدانته الشديدة للانتهاكات الخطيرة في المسجد الأقصى.
وقد عبّر خادم الحرمين الشريفين، خلال تلك الاتصالات، عن إدانته واستنكاره الشديدين للتصعيد الإسرائيلي الخطير في المسجد الأقصى، والاعتداء السافر على المصلين في باحته، وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية.
كما أعرب الأعضاء الـ(15) الدائمون في مجلس الأمن الدولي عن قلقهم العميق حيال تصاعد التوتر في القدس، ودعوا إلى ضبط النفس والامتناع عن القيام بأعمال أو إلقاء خطب استفزازية، والإبقاء على الوضع التاريخي القائم في المسجد الأقصى، قولاً وفعلاً.
من جانبه، وفي تحدٍّ واضح للإرادة الدولية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) يوم الخميس الماضي، أن إسرائيل مصممة على فرض الالتزام الصارم بالوضع القائم في المسجد الأقصى، مشيراً إلى أنه لن يسمح بـ’التشويش’ على زيارات اليهود للموقع، مؤكداً تمسكه بالحفاظ على الوضع القائم في ‘جبل الهيكل’.
ولقد دعا المجلس الوطني الفلسطيني إلى اتخاذ إجراءات وقرارات لحماية المسجد الأقصى، رداً على الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية، بعد أن حولت القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى إلى ثكنة عسكرية، واستدعت قوات الاحتياط لدعم العنف ضد الفلسطينيين وتأكيد واقع الحال، وفرض التقسيم المكاني والزماني، وقد لا يكون تحقيق ذلك بعيداً.
كانت جماعة (حماس) قد وصفت ما جرى في المسجد الأقصى بأنه إعلان حرب، وطالبت المجتمع الدولي بالتحرك قبل أن ينفجر الوضع بأكمله.
وحذر القيادي في حركة (حماس)، إسماعيل رضوان، الاحتلال الإسرائيلي من مغبة استمراره في الاعتداءات على المسجد الأقصى، وأشار إلى أن النيران وكتلة اللهب ستصيب الكيان الإسرائيلي في حال استمر عدوانه على المسجد الأقصى، وقال: ‘إننا نقف اليوم كمقاومة، وتهونُ أرواحنا ودماؤنا فداء للمسجد الأقصى’.
جمعة غضب عمّت العالم الإسلامي، المنابر حفلت بالتنديدات والإدانات والآمال العريضة. ولكن هل فعلاً يعرف العرب والمسلمون إلى أين هم سائرون؟ وهل هذه أول مرة يتم فيها تدنيس المسجد الأقصى، ويتم تحويل دار السلام إلى دار حرب؟ مع كل التقدير لتنديدات مجلس الأمن والجامعة العربية بتلك الأعمال المخالفة للأعراف والمواثيق الدولية.
هل يحتاج العرب والمسلمون إلى رؤية جديدة في مواجهة استفزازات إسرائيل المتكررة، وإصرار الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على خلق وفرض واقع جديد لا يسمح للأشقاء الفلسطينيين بممارسة شعائرهم الدينية في الأماكن الإسلامية المقدسة؟ خصوصاً في المسجد الأقصى الذي له مكانة عالية لدى 620ر1 مليار مسلم في العالم يمثلون 23% من سكان المعمورة.
وهل هذا العدد الضخم لا يستطيع ردع تلك الاستفزازات، علماً بأن عدد اليهود في العالم لا يزيد على 13 مليوناً، منهم 3ر6 مليون فقط يعيشون داخل إسرائيل.
ألا يحتاج المسجد الأقصى إلى عاصفة حزم جديدة؟!، هل سؤال سوف يسأله الطفل العربي المسلم بعد 100 عام من الآن.