‘جئت إليكم حاملا رسالة شعب أحب السلام وعمل من أجله’ بهذه الكلمات خاطب صاحب السمو المغفور له بإذن الله أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح المجتمع الدولي من على منصة الأمم المتحدة في 27 سبتمبر عام 1990 عبر كلمة مؤثرة وقف لها ممثلو العالم احتراما وصفقت لها أكفهم طويلا في موقف قل أن شهدت المنظمة الدولية له نظيرا.
فقبل 25 عاما توجه الشيخ جابر الأحمد إلى اجتماع الدورة الخامسة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ليلقي خطابه التاريخي عن مأساة الكويت في ظل استمرار الاحتلال العراقي الغاشم لأراضيها آنذاك وليبرز توجهات الكويت السلمية وإسهاماتها في تعزيز مسيرة الأمن والسلم والتنمية في مختلف أرجاء العالم.
وفيما يلي نص الكلمة التي أدمعت عيون كل الكويتيين في الداخل والخارج: ‘بسم الله الرحمن الرحيم باسم الله نبدأ نحن المسلمين خطواتنا وبالحمد نتقرب إليه وهو الذي لا يحمد على مكروه سواه.
لكم منا أيها السيد الرئيس ومن شعب الكويت التهنئة بانتخابكم رئيسا للدورة الخامسة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
إنك تنتمي إلى بلد صديق تربطه بالكويت أوثق الروابط ونستمد معا قوة وفاعلية دولنا من مبادىء العدل والشرعية الدولية وإننا لواثقون بقدرتك على تحقيق الأهداف التي يتطلع إليها المجتمع الدولي من هذه الدورة وفي وسط هذه الظروف الدولية المعقدة.
وكذلك أوجه الشكر لرئيس الدورة السابقة الجنرال جاريا على حسن إدارته وحكمته المعروفة في معالجة القضايا التي تهم أسرتنا الدولية.
ومن دواعي سروري أيضا أن أتوجه بالشكر والعرفان لسعادة الأمين العام خافيير بيريز دي كويلار على جهوده الحثيثة والمميزة في خدمة قضايا السلام والأمن الدوليين وحرصه على تطوير دور وفاعلية المنظمة الدولية في أداء المهام السامية التي أنيط بها المؤسسون الأوائل.
السيد الرئيس..
يسرنا أن نرحب بانضمام ليختنشتاين العضو الجديد إلى منظمتنا الدولية ونتمنى لشعبها الصديق الازدهار والتقدم راجين أن يعزز ذلك منظمة الأمم المتحدة بما يضمن فاعلية وشمولية العمل الدولي المشترك.
السيد الرئيس..
إنني أخاطبكم اليوم من فوق هذا المنبر في ظروف عصيبة يمر بها بلدي المسالم ووسط تجربة نادرة تعيشها منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها دفاعا عن الشرعية الدولية وذلك من خلال موقف مجلس الأمن الدولي الذي تصدى بقرارات حاسمة لمواجهة العدوان السافر على دولة الكويت.
ولاشك أن الدور الحيوي الذي لعبه مجلس الأمن في ظل هذه الظروف العصيبة والتي تمر بالكويت والعالم أجمع هو دور نأمل أن يتطور ولا ينحسر يسود ولا ينكسر بما يؤدي إلى ترسيخ قواعد العدالة الدولية.
لقد جئت اليوم حاملا رسالة شعب أحب السلام وعمل من أجله ومد يد العون لكل من استحقها وسعى للخير والصلح بين من تنازعوا وتعرض أمنه واستقراره ليد العبث إيمانا منه برسالة نبيلة أمرنا بها ديننا الإسلامي الحنيف وتحثنا عليها المواثيق والعهود وتلزمنا بها الأخلاق.
جئتكم برسالة شعب كانت أرضه بالأمس القريب منارة للتعايش السلمي والإخاء بين الأمم وكانت داره ملتقى الشعوب الآمنة التي لا تنشد سوى العيش الكريم والعمل وها هو اليوم بين شريد هائم يحتضن الأمل في مأواه وبين سجين ومناضل يرفض بدمه وروحه أن يستسلم ويستكين للاحتلال مهما بلغ عنفوانه وبطشه.
السيد الرئيس..
محنة الكويت هي قصة مأساوية متعددة الوجوه لم يقتصر أثرها على الكويتيين فقط بل تجاوزت ذلك لتصيب شعوبا أخرى بل هي هددت وزعزعت الاستقرار في العالم بصورة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة.
لذلك جئت هنا إلى هذا المحفل وهو دفة قيادة العمل الدولي شاكرا لكم على هذا التضامن العالمي الساحق معنا والذي تتضح معالمه في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والتي صدرت بشكل لم يسبق له مثيل ليشكل موقفا دوليا صلبا يرفض أن يرى الشرعية والقوانين وقواعد الجيرة والأعراف تغتالها مدافع الغزاة وتدوسها جنازير الدبابات ويعكس خصوصية العدوان العراقي على دولة الكويت حيث لم يشهد التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية أن اجتاح بلد ما دولة مستقلة ذات سيادة وعضوا في الأمم المتحدة وسعى إلى ضمها إليه بالقوة الغاشمة ويحاول محو اسمها وكيانها من خريطة العالم السياسية وإزالة معالم هويتها التي تحددها مؤسساتها وبنيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويجري كل هذا ونحن في نهاية القرن العشرين.
جئت إليكم لأطلعكم على هول المحنة والعذاب اللذين نعيشهما داخل وخارج أرضنا الحبيبة المحتلة وعارضا عليكم قضية بلادي العادلة ولأترك لضمائركم وبين أيديكم مصير شعب وأمة وأنا على يقين بأنكم لن ترضوا عن مساندة حقوقه المشروعة في تحرير أرضه بديلا كما أنكم لن تترددوا إطلاقا في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحمل المعتدين والغزاة على إعادة الشرعية والتراجع عن همجيتهم وانحرافهم.
السيد الرئيس..
لم يكن عدوان النظام العراقي على دولة الكويت واحتلاله لها ومحاولته الباطلة لضمها إلى أراضيه ضاربا عرض الحائط بكل القوانين والمواثيق والأعراف والمعاهدات – ومنها ما عقد بين البلدين وتحفظه هنا سجلات هذه المنظمة الدولية – لم يكن ذلك النزاع بين دولتين على جزء من الأرض بل كانت خطة مبيتة للاحتلال السافر والسطو المسلح على دولة بأكملها ومن دولة كنا نرتبط معها بمواثيق دولية ضمن إطار جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة وسائر المنظمات العالمية.
لقد اختلق النظام العراقي حججا وهمية ومزاعم زائفة وملفقة ضد بلدي الآمن والمسلم وكان جوابنا على ذلك ورغم إيماننا ببطلان تلك المزاعم وهو اقتراح سلطة تحكيم عربية محايدة نأتمن إليها أمرنا ونعرض عليها خلافاتنا لكن العراق سارع إلى رفض ذلك.
وكان آخر مسعانا في طريق السلام هو المباحثات الثنائية في جدة بالمملكة العربية السعودية وأعربنا خلالها عن حرص الكويت على تسوية مشاكلها مع العراق وضمن الإطار العربي.
غير أن النية العراقية كانت تتجاوز الأشكال القانونية والجوانب الشرعية لتصل إلى اجتياح ربوع الكويت واستباحة سيادتها ودماء أبنائها وأموالها وهتك الأعراض وإشاعة الدمار والإرهاب والتنكيل بأبناء أرضها وتشريد مئات الآلاف منهم ومن مواطني الدول الأخرى الضيوف علينا والذين سلبهم مدخراتهم وأزهق أرواح المئات منهم وارتهن بعضهم ولاتزال حتى هذه الساعة حملة الإرهاب والتعذيب والإذلال مستمرة على تلك الأرض الطيبة حيث تصلنا كل يوم أنباء المذابح واستمرار السطو المسلح الشامل على مقومات الدولة والأفراد مما دفع قوى الخير والعدل والسلام في العالم إلى محاولة التعرف على مأساة أولئك الأبرياء فبادرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبموجب مسؤوليتها المستمدة من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب إلى محاولة إرسال فريق عنها لتقديم تقرير عن حالتهم.
لكن المعتدي وإمعانا منه في نهجه اللاإنساني رفض السماح لهذه اللجنة الدولية أن ترسل مندوبين عنها إلى الكويت للقيام بمهماتها كما رفض السماح لمبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة بزيارة الكويت وتفقد أحوال السكان فيها.
إن هذا التصرف يمثل انتهاكا آخر من المعتدي للقوانين والمواثيق الدولية والإنسانية مما يستوجب وقفة حازمة ضده ولكن عزاءنا الوحيد هو موقف دول العالم بجانب الحق الكويتي حيث أصدرت جامعة الدول العربية ومؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية ومجلس الأمن القرارات المناسبة التي أدانت بموجبها العدوان العراقي وطالبت بإلغاء قرار الضم وانسحاب القوات العراقية الغازية فورا دون قيد أو شرط إلى الحدود التي كانت قبل العدوان حتى تتمكن السلطة الشرعية من ممارسة اختصاصاتها ومهامها كما كانت قبل الغزو ومما يزيد من فخرنا واعتزازنا وقفة الشعب الكويتي الأبي ضد المحتل الغاصب المدجج بمختلف أنواع أسلحة الدمار دفاعا عن أرضه وسيادته واستقلال دولته.
السيد الرئيس..
لقد مضى عامان على المبادرة التي قدمتها هنا من فوق هذه المنصة مناشدا إلغاء الديون التي تعاني وطأتها وأعباءها دول حرمتها مختلف الظروف من الرخاء وتكالبت عليها الضغوط.
وإذا كان قد تم تحقيق بعض التقدم في هذا الإطار إلا أنه لايزال حجم المشكلة ونطاقها مصدر تهديد خطير لحياة الملايين من البشر وهو التهديد الذي وبلاشك يواجه أيضا الاستقرار والأمن العالميين إذ توصل بعض المفكرين منذ زمن طويل إلى الربط الوثيق بين الاستقرار الاقتصادي والاستقرار السياسي.
وحسبنا أن ننظر في كل ذلك إلى النتائج العامة لمؤتمر باريس الذي عقدته الأمم المتحدة هذا الشهر بشأن مشكلات الدول الأقل نموا لندرك حجم المشكلة والطابع الملح لإحراز التقدم الملموس نحو معالجتها بشكل فعال يخدم مصالح البشرية جمعاء.
لهذا فإن الكويت من جانبها وانسجاما مع اقتراحنا السابق قررت إلغاء كافة الفوائد على قروضها كما ستبحث أصول القروض مع الدول الأشد فقرا وذلك من أجل تخفيف عبء الديون التي تقع على كاهل تلك الدول.
السيد الرئيس لقد كان بلدي يتشرف عند أولى سنوات استقلاله بأنه في طليعة الدول التي تقدم المساعدات في مجال التنمية للدول الأخرى وكان حجم المساعدات يشكل أعلى المعدلات بالنسبة للناتج القومي الإجمالي إذ بلغ 2ر8 في المئة وهذا يؤكد حرص دولة الكويت على المساهمة في رفع مستوى الشعوب النامية وانها سباقة في بناء البنية الاقتصادية للدول الأخرى.
السيد الرئيس..
لم تقتصر سلبيات الخراب والعدوان على الكويت وشعبها المسالم وعلى استقرار وأمن منطقة الخليج ومن ثم وضع الاستقرار العالمي كما تجلى لنا بل تعدت كل ذلك لتصيب قضايا مصيرية كنا ولا نزال نتطلع الى أن يضع المجتمع الدولي حلولا لها مثل قضية الشعب الفلسطيني ومأساة اح