زاوية حادة / طعام المسكين
بدر خالد البحر
في السبعينات عندما كانت جماعة الإخوان تجتهد في حث الشباب الصغير بالمسجد على صلاة القيام، كنا نعجب بتعاونهم وبتنظيمهم للندوات والمخيمات والأنشطة الدعوية، طبعاً كوننا صغاراً، لم نكن ندري شالسالفة، ولم نكن نعي كثيرا حقيقة الدين بقدر ما كنا نتحمّس للعب كرة القدم ورحلات البر والأكل بعد الدروس الدينية، لكن هناك شيئاً مازال عالقاً بالذاكرة، وكان مؤثراً، وهو عندما كنا نرى بعض الشباب يبكي أثناء صلاة القيام، التي كنا عادة نصلي فيها ركعة واحدة وننام في آخرها، خصوصا عند الآيات التي تتحدث عن مشهد اقتياد أصحاب النار، في سورة الحاقة «خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَح.يمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ ف.ي س.لْس.لَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذ.رَاعًا فَاسْلُكُوهُ».
إنك عند تتبع هذا المشهد المهيب المخيف، يسأل الإنسان نفسه: ماذا فعل هذا العاصي كي يستحق هذا التنكيل؟ هل أشرك؟ هل كفر؟ هل قتل؟ هل زنى؟ هل شرب خمراً؟ هل عذب أحداً بالدنيا؟ هل عق والديه؟ إلا أن الآيات بعدها تأتي لتجيب عن هذا بقوله تعالى «إ.نَّهُ كَانَ لَا يُؤْم.نُ ب.اللَّه. الْعَظ.يم. * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَام. الْم.سْك.ين.»، ثم وصف سبحانه عذابه بأن قال «فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَم.يمٌ * وَلَا طَعَامٌ إ.لَّا م.نْ غ.سْل.ينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إ.لَّا الْخَاط.ؤُونَ»، فقد كان ذنبه أنه لا يقوم بحق الله عليه من طاعته وعبادته، ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم ولا يحض، أي لا يدعو ويحث ويرغب ويجتهد في إطعام المساكين.
إنه نظرا لعظم هذه الشعيرة في ديننا الحنيف، وهي الحض على طعام المسكين، والتي قد لا يعرفها أو يستصغرها البعض، فقد تكررت في أكثر من سورة، فقد جاءت نصا أيضا في سورة الماعون «أَرَءَيْتَ الَّذ.ي يُكَذّ.بُ ب.الدّ.ين. * فَذَل.كَ الَّذ.ي يَدُعُّ الْيَت.يمَ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَام. الْم.سْك.ين.»، ليكون عدم الحض على إطعام المسكين صفة من صفات من لا يؤمن بيوم الدين ولا يؤمن بالبعث والحساب، وهي من صفات الكافرين والعياذ بالله. كما جاء هذا المعنى في سورة المدثر «كُلُّ نَفْسٍ ب.مَا كَسَبَتْ رَه.ينَةٌ * إ.لَّا أَصْحَابَ الْيَم.ين. * ف.ي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَن. الْمُجْر.م.ينَ * مَا سَلَكَكُمْ ف.ي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ م.نَ الْمُصَلّ.ينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْع.مُ الْم.سْك.ينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائ.ض.ينَ * وَكُنَّا نُكَذّ.بُ ب.يَوْم. الدّ.ين.»، وهي أيضا توضح صفات المجرمين الذين يعذبهم الله بأنهم لا يطعمون المسكين جنبا إلى تكذيبهم بالبعث والحساب.
وهنا نود أن نذكّر الناس في هذا العيد باخوانهم المساكين الجياع في فلسطين وسوريا والعراق ومصر واليمن وأفغانستان وباكستان وفي آسيا وأفريقيا، وفي شتى بقاع الأرض، فلا يجب أن يستصغر المسلم الصدقة، فقد قال صلى الله عليه وسلم «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، ولا أن يستصغر طعاما يوصله لمسكين في اي مكان في هذا العالم الذي يعج بالظلم والفقر والمجاعة والمرض، وأن يحث المسلمين ويحضهم ويذكرهم بطعام المسكين، لأنه ذنب عظيم إن لم نحض على طعام المسكين.
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.