جرس / سدرة بيتنا
سامي الخرافي
سألني أحد الأصدقاء: بوفهد كتاباتك في الفترة الأخيرة أصبحت سياسية رغم علمي بأنك لا تميل للسياسة كثيرا، فأجبته: كلامك صحيح، فأحيانا تجبرك المواقف على التعبير عما بداخلك أو تريد إرسال رسالة لمن يهمه الأمر، ولكنني أعدك بأن المقالة القادمة بإذن الله سأكتب عن «الذكريات» والتي نعيشها بين فترة وأخرى مع أنفسنا.
قبل عدة أيام مررت بفريجنا القديم «بخيطان» والذي اصبح معظمه «براحة» وأعني بالبراحة هو المكان الذي لا يوجد به عمران، وشاهدت من بعيد «سدرة بيتنا» مازالت صامدة ووقفت سيارتي بجانبها وشاهدتها حزينة وكأنها تناديني وتفتقدنا رغم «أذيتنا» لها من أجل الحصول على «الكنار» هذه السدرة عاصرت جميع أفراد أسرتنا منذ الطفولة إلى أن كبرنا فمنهم من توفاه الله ومنهم من ينتظر، فقد كانت كريمة بظلها وخيراتها ونزلت دمعة مني على نكراننا بعدم زيارتنا لها والخيرات التي قدمتها لنا من كرم «كناري» كناية عن الكنار، فودعتها على أمل أن أكرر زيارتي لها وأجدد ذكريات الطفولة معها، أحيانا تشتاق للذكريات أكثر من الأشخاص لأنك تجد فيها استراحتك فكما قيل: قد يتساقط الأصدقاء عاما بعد عام، فبعضهم قد يسقط من القلب، وبعضهم يسقط من الذاكرة، والبعض من العين، والبعض الآخر برحيلهم عن هذا العالم، فالأصدقاء الحقيقيون هم ما يقدمون لك مشاعر إنسانية «نقية» خالية من المصلحة والنفاق.
ورغم ما سبق ذكره فإنك تستمتع بتذكرك لتلك الأيام بحلوها ومرها، فالحياة اليوم من سرعتها كمن يركب «باصا» تشاهد فيه مجموعة من الناس وفي أقرب محطة تنزلها فتنسى الوجوه التي شاهدتها عند ركوبك للباص لأول مرة، فعندما نكبر نشتاق لكل ذكرى عشناها في طفولتنا فهي محفورة في أعماقنا فنعيش معها أجمل اللحظات وتختلف تلك اللحظات من شخص إلى آخر.
فمثلا قد تكون تلك اللحظات «أماكن» قديمة أصبحت «أطلالا» الآن «فتشم» رائحة المكان رغم مضي سنين طويلة على تركك له وتسعد بوجودك بقرب ذلك المكان لأن الذاكرة تجلب لك من كان معك في طفولتك فتعيش معهم أحلى اللحظات وكأنهم أمامك فتشاهدهم وتسمع أصواتهم وتحاورهم.. الخ.
فالذكريات أصبحت كيوم عيد ميلادك محفور لا تنساه إلا إذا أصابك «زهايمر» فأنت معذور بنسيانك كل شيء، فحين «تطري» ذكرى موقف أو سالفة معينة فإنك تبتسم تلقائيا ورغما عنك لحنينك لذلك الماضي الجميل البسيط بكل تفاصيله، فالذكرى كاللوحة الجميلة تسعد برؤيتها وتبدي إعجابك بها دون أن تعرف أصلا مبادئ «الرسم»، لقد أصبحت الذكريات «كغرفة جدتي» رحمها الله أكاد اشم الآن رائحة «الحرمل» والزموته والزعتر.
وتحن إلى تلك الغرفة، فالذكريات قد تكون مؤلمة كضرب والدك لك وأنت طفل.. أو تكون سعيدة كمقلب في احد الأصدقاء وما أكثرها، وتتمنى أن تعود تلك الأيام ولكن هيهات، فستلازمك تلك الذكريات كلما كبرت ومتى ما سرحت، فنحن كذلك سنكون يوما ما «ذكرى» لمن يأتي من بعدنا فلنجعل من انفسنا ذكرى طيبة لعلهم يترحموا علينا عندما نكون تحت التراب، فيا رب أرحم موتانا وموتى المسلمين واغفر لهم وأدخلهم جنتك يا سميع يا عليم فهم السابقون ونحن اللاحقون.