خارج التغطية – سورية.. تاريخ الصراع وتغيرات المستقبل
ناصر المطيري
محورية سورية في الصراع والتنافس الدولي والإقليمي ليست وليدة اليوم بل هي مراحل متتابعة من التاريخ شهدت أزمات وتغيرات في المنطقة العربية كانت سورية محورا أساسيا لكل الأحداث، فمرحلة القرن التاسع عشر التي يمكن أن توصف بأنها مرحلة مهمة بتشكل الوعي الوطني في سورية، شهدت صراعا محتدما بين العديد من الدول للوصول الى حصة من السيطرة والنفوذ في سورية وجوارها، خاصة أن سورية كانت تتبع بصورة كاملة للامبراطورية العثمانية.
ثم ان مرحلة وضع سورية تحت الانتداب الفرنسي، وهي المرحلة التي شهدت تكوّن الدولة السورية الحديثة بشكلها القائم حاليا، وطبيعة الحراكات الوطنية السورية، وأيضا صورة المجتمع السوري الذي تعددت فيه الطوائف الدينية، وتزايدت كثافة الصراعات بين هذه الطوائف بناء على التدخلات والدعم الذي لقيته من الدول المتصارعة على سورية، ولو انتقلنا الى رصد مرحلة الاستقلال نجد أنها شهدت اضطرابات سياسية واسعة عبرت عن وجود التأزم الطبقي بين المدن والريف من ناحية، وبين الأقليات وبعضها ببعض من ناحية أخرى، وكانت الانقلابات التي توالت في سورية تعبيرا عن المنافسة الاقليمية التي جعلت من الساحة السورية أرضية خصبة للمواجهات غير المباشرة بين الدول العربية المؤثرة مثل مصر والسعودية، خاصة في مرحلة ما بعد انتهاء الوحدة بين مصر وسورية.
شهدت سورية مرحلة من الاستقرار بعد تمكن الرئيس السابق حافظ الأسد من السيطرة على حزب البعث، وازاحة منافسيه على السلطة، وتمكنه في مرحلة لاحقة من ازاحة الاخوان المسلمين من المشهد السوري بعد الصراعات الشرسة والمؤسفة في مطلع الثمانينيات، الا أن طبيعة التقديرات السياسية السورية والتحالف الوثيق مع الاتحاد السوفييتي، بالاضافة الى التدخل في لبنان وتحويلها الى أرضية جديدة لمواجهة غير مباشرة مع اسرائيل، جعلت صراع القوى حول سورية يتجدد وبصورة أكثر تعقيدا، خاصة بعد علاقات متميزة مع ايران الثورة الاسلامية جعلت الجانب السوري يميل الى ايران في حرب الخليج الأولى التي تواجهت فيها مع العراق.
وفي مرحلة لاحقة ومع انهيار الاتحاد السوفييتي حاول السوريون أن يتواصلوا مع الأميركيين، فاشتركوا في حرب تحرير الكويت ضمن التحالف الدولي على العراق، ولكن هذه المشاركة لم تؤتِ ثمارها بالنسبة للسوريين مع دخول مفاوضات السلام التي دشنت في مدريد، وشهدت تعثرا حادا على المسار السوري، وبقيت موضوعا دائما للشد والجذب بين سورية واسرائيل.
هذه الأحداث التاريخية وضمن سياقها التاريخي الذي يؤكد وجود الصراع على المنطقة العربية ككل، ومحورية سورية في أي صراع دولي في المنطقة، ففي الوقت الذي تنظر فيه روسيا الى سورية بوصفها الملاذ الأخير
الذي يمكنها من موطئ قدم في الشرق العربي، تنزل روسيا بقواتها للحفاظ على رأس حليفها الاستراتيجي تحت ستار الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية «داعش»، ونظرا للأهمية الاستراتيجية القصوى التي تمثلها سورية بالنسبة لموسكو نلاحظ كيف حشد الرئيس بوتين قوته السياسية والعسكرية لتكون روسيا رأس حربة لتحالف يتكون من الصين وايران بتفاهم أميركي وانصياع أوروبي.
ومن الواضح أن موازين القوى الأممية اليوم مكنت الروس من الاستحواذ على سورية من تحت أنف أميركا وأوروبا معاً، ومن دون أن تظهر أي بادرة احتجاج فعال على الأقل.
نعم روسيا تستعمر ما كان ملكاً شرعياً أو سواه لأميركا. روسيا ترث أميركا وهي ما تزال حية فاعلة، ومن سورية سيعود ميزان القوى الدولي الى الميل لصالح روسيا أو انتاج توازن دولي جديد تعيد فيه القوى الكبرى والقوى الاقليمية توزيع الأدوار في منطقة الشرق الأوسط انطلاقا من سورية والعراق وبدعم من أنظمة عربية تحاول أن تخرج من أزمة الصراع الكبرى الراهنة بأقل الخسائر ولو بالحفاظ على كياناتها وأنظمتها.