رسالتي – المرجفون في المدينة
عبدالعزيز صباح الفضلي
من أخطر الفئات التي تنخر في جسد المجتمع والأمة، وتبث بين أفرادها روح الضعف والوهن والخوف والتخاذل والانهزامية هم «المُرجِفون».
أولئك الذين يلبسون أحياناً ثياب الوطنية، وأحياناً مسوح الرهبان، لكنهم بأفعالهم وأقوالهم أخطر على الدين والدولة من العدو الظاهر والعاصي الفاجر.
أمثال هؤلاء موجودون منذ عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا، عانى منهم المسلمون في المدينة، فلقد كان ولاؤهم لأعداء الإسلام أكثر من ولائهم للمسلمين، وكم تخاذلوا عن نصرة المسلمين في أحلك الظروف.
خرج النبي عليه الصلاة والسلام لقتال المشركين في غزوة أحد، وإذ بقائد المنافقين «ابن سلول» ينسحب قبل المعركة بثلث الجيش، في محاولة لإرباك جيش المسلمين وإضعاف عزيمتهم.
وحينما خالف بعض الرماة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- انقلب ميزان المعركة، وقُتل من المسلمين من قتل.
قام المنافقون -وبدلاً من مواساة المسلمين- بتخويف المسلمين من قدوم قريش إلى المدينة للقضاء على من تبقى منهم.
لكن الله تعالى ثبّت قلوب المؤمنين وأفشل سعي المتخاذلين «الذين قال لهم الناسُ إن الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء..» الآية.
إن أولئك الفئة هم أسرع الناس في التخلي عن ولائهم لدينهم وأوطانهم بحثاً عن مصالحهم، ولقد حكى الله تعالى في كتابه عن طائفة من هؤلاء فقال: «فترى الذين في قلوبهم مرض يُسارعون فيهم يقولون نخشى أن تُصيبنا دائرة»، وقد نزلت في بعض المنافقين ممن أخذوا يبحثون عن موالاة اليهود والنصارى بعد انهزام المسلمين في غزوة أحد، لعل في ذلك نفعاً لهم في حال قدوم المشركين إلى المدينة وقضائهم على دولة الإسلام!!
وما أشبه اليوم بالبارحة، فها نحن نرى فئة من أمثال أولئك القوم يسارعون في الارتماء في أحضان أميركا وروسيا وإسرائيل، طمعاً في ما عندهم، واغتراراً بقوتهم وخوفاً من استكمال تسلطهم على بلاد المسلمين.
ولذلك تراهم يدعون إلى المهادنة وتقديم واجب الولاء والطاعة، وعدم التفكير في التصدي والمواجهة، والسخرية والاستهزاء من كل بارقة أمل للوقوف في وجه أعداء الأمة.
سخروا من صواريخ «القسام» مع أنها أرهبت جيش العدو، واستهزؤوا بحجارة الأطفال «أيام الانتفاضة» مع أنها هي من أرغمت اليهود للبحث عن مؤتمرات السلام.
للأسف إن بعض مَنْ يلبسون مسوح الدين هم من أكثر المخذّلين، يضعون الآيات والأحاديث في غير موضعها، ويضعون شروطاً ما أنزل الله بها من سلطان كي يحبطوا أي محاولة لمواجهة الأعداء.
لكننا موقنون بأن الله تعالى ناصرٌ دينه وأولياءه ولو تخاذل عن نصرتهم من تخاذل وصدق الله «يا أيها الذين آمنوا مَنْ يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم».