مستثمر أجنبي… في ‘المشمش’!
عبدالمحسن جمعة
أتذكر أنه في بداية حقبة رئاسة مجلس الأمة للمرحوم جاسم الخرافي في عام 1999، أُقِرت حزمة من القوانين الاقتصادية لفتح السوق الكويتي أمام المستثمر الأجنبي بكل مجالاته، عبر التملك المباشر والاستثمار في بورصة الكويت، وفتح فروع البنوك الأجنبية… إلخ، واستمرت قوانين تشجيع المستثمر الأجنبي في الصدور حتى قبل أشهر قليلة من البرلمان الحالي.
ولكن، للأسف، فإن أي مشاريع جدية للمستثمر الأجنبي في الكويت لم تتم منذ عام 1999، وبخلاف افتتاح فروع البنوك الأجنبية ودخول بعض الأموال إلى البورصة فترات محدودة قبل أن تخرج مولية الأدبار، لم نرَ مستثمراً أجنبياً جدياً في البلد، بينما نرى الأموال الأجنبية تتهافت على جيراننا الخليجيين، ويقدم المستثمر الأجنبي هناك المبادرة تلو الأخرى.
لذا علينا أن نتساءل… لماذا لا يأخذ المستثمر الأجنبي الفرص الاستثمارية في الكويت على محمل الجد؟… رغم أن الفوائض المالية ضخمة، وكذلك القوة الشرائية، والموقع الاستراتيجي الذي يتوسط ثلاث دول تعتبر أسواقاً كبرى وذات تعداد سكاني كثيف، وهي السعودية والعراق وإيران، ومن خلفها دول آسيا الوسطى.
والإجابة كما نراها ونسمعها، أن سوق الكويت احتكاري تتحكم فيه قوى محدودة ذات نفوذ وصلات مع السلطة، وهناك تداخل ضخم في الكويت بين المنصب والسلطة و’البزنس’، وقانون المناقصات المركزية الكويتي قديم، وفيه ثغرات تتيح التلاعب وعدم إعطاء فرص عادلة للمتنافسين، ومعظم المناقصات يتم إرساؤها على جهات معلومة، إما بشكل مباشر أو عبر واجهات لهم مصطنعة، إضافة إلى أن طبيعة النشاط الاقتصادي تسيطر عليها المضاربات وعمليات ‘القومسيون’ أو العمولة عن طريق الوكالة، أو تخليص الصفقات عبر النفوذ، ضمن الإنفاق الحكومي المسيطر على غالبية الأعمال التجارية.
أما بالنسبة للقوانين الكويتية فهي، رغم جودتها، غالباً لا تُطبَّق، أو تُطبَّق بشكل غير كامل، أو تضع لوائح تنفيذية لها تضعف مفعولها، مثل قوانين منع الاحتكار وحماية المستهلك، وكذلك فوضى الأسعار وعدم خضوعها لأي رقابة رادعة، كما أن قانون أسواق المال عُدِّل تحت ضغوط المتنفذين قبل أن يكتمل تطبيقه بشكل شامل.
كما أن البورصة تخضع لسيطرة عدد محدود من المتنفذين، ولا يمر من خلالها أي من مليارات الدنانير التي تنفقها الدولة على مشاريع التنمية، إذ لم يدخل منها دينار واحد إلى الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية، وكلها تُسنَد إلى شركات عائلية ومؤسسات فردية، بل إن انتعاش البورصة (2004 – 2008) كان سببه يقتصر على مناقصات الجيش الأميركي والمشاريع الخاصة بالعراق في تلك الفترة.
وأما نظام التقاضي في الكويت فمعقد وطويل، والمستثمرون الأجانب يعلمون بقضايا الفساد المتعددة في البلد، والتي أصابت مواقع مهمة مثل مؤسسة التأمينات الاجتماعية ومرافق أخرى استطاع المتورطون فيها مغادرة البلاد دون حساب.
ولا شك أن معظم المستثمرين الأجانب والشركات الكبرى تابعت ما حدث في مشروع مطار الكويت الجديد المعطل منذ عام 2009، والذي تمت ترسيته مؤخراً في أجواء من الجدل والتساؤلات عن تسلسل الإجراءات الخاصة بها، والتي أُعيدت أكثر من مرة، ونتيجة لكل ذلك، وباختصار، ففي ظل ظروفنا الحالية وحالتنا الاقتصادية ذات الصبغة الاحتكارية فإن الحديث عن دخول المستثمر الأجنبي بأمواله إلى السوق الكويتي هو ضرب من الخيال… ومطلب ممكن أن يتحقق في ‘المشمش’!