ربما يختلف الجمهور حول رصدهم لتجربة ممثل ما خلال رحلته السينمائية أو المسرحية الطويلة، وهو خلاف صحي بالمناسبة، فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، إلا أن واحدًا فقط استطاع أن يحسم الموقعة لصالحه تمامًا، من جميع الإتجاهات، وباختلاف وجهات النظر، دون أن يواجه خلال مسيرته شكًا ضئيلاً من جانب أي ناقد متخصص، أو جمهور المتابعين، بأنه لا يحمل موهبةً حقيقية، دفعته لمكان يستحقه، في مقدمة أفيشات السينما، ليكون بطلاً، ونجم شباك، هذا الشخص هو أحمد زكي.
كان يردد دائمًا أنه لا يجيد الفلسفة ولا العلوم العويصة، لكنه يدرك دوره في الحياة، إنسان ممثل، يسعى للحفاظ على انسانيته، وبساطته التي عهدها طوال حياته، ويستخدم أدواته وموهبته في التعبير عن هذا الإنسان، سواء الذي يعيش بداخله، أو من يعيش معه في المجتمع، لأن «إنسان هذا العصر يعيش وسط عواصف من الماديات الجنونية، والسينما فى بلادنا تظل تتطرق إليه بسطحية. هدفى هو ابن آدم، تشريحه، السير وراءه، ملاحقته، الكشف عما وراء الكلمات، ما هو خلف الحوار المباشر»، هكذا عبّر زكي عن فسلفته الخاصة، رغم اعترافه بأنه لا يجيدها.
لم يبخل زكي بتسخير كل أدواته كإنسان ممثل، في التعبير عن الشخصيات التي يقوم بأداء أدوارها. كان يقوم بدراسة الشخصية بكل تفاصيلها، وجوانبها. يتعايش معها حد التقمص، ثم يبدأ في تمثيلها، لتخرج صادقة، حقيقية إلى أبعد حد، فهو منتصر في الهروب، وسبع الليل في البريء، وعلي في الحب فوق هضبة الهرم، وعبدالسميع في البيه البواب، وهشام في زوجة رجل مهم. لا يمكن أن تتخيل الدور بأداء أي ممثل آخر، لأنه يُسقِط كل الإفتراضات.
حتى عيناه تحملان داخلهما عشرات التعبيرات المختلفة، التي تمكنه من ارتداء كل أثواب الشخصية، والتقلب بين مراحلها بسهولة، وتلقائية، بين الإنتقام، والشاعرية، والتحدي، والحزن، والفرح، في نفس الفيلم، وعليك أن تصدقهما في كل تعبيراتهما، لأنه يجيد استخدامهما، ويطاوعاه على ذلك.
من هذا المنطلق، يستعرض «المصري لايت» 10 نظرات لأحمد زكي، من داخل بعض أفلامه، لن تنساها ما دمت شاهدت الفيلم، لأنها ربما خرجت من أعين أحمد زكي الإنسان، لكنها حملت كل ما يعبر عن ما بداخله من فنان، وممثل أجاد تقمص أدواره، والتوحد معها.
10. زوجة رجل مهم
في لحظة، يخرج زكي من باب الغرفة، بخطوات هادئة، ثم يستدير بزاوية رؤية 90 درجة، ليكون في مواجهة زوجته، ووالدها تماما، فيشهر سسلاحه في وجهيهما، وينظر نظرته الأخيرة قبل إطلاق النار، تلك النظرة المحملة بخبرات ضابط الشرطة السابق، في التصويب، والاصطياد، بذراع مستقيم تماما، ليطلق رصاصته في قلب الوالد دون تردد، أو تلفظ بكلمة.
9. البريء
رغم أنه طوال الفيلم يمارس دورا يحمل في أطواره المختلفة الصفة التي منحها له اسم الفيلم، إلا أن في مشهد الزنزانة، مع رفيقه حسين (ابن الحج وهدان) الذي قام بدوره ممدوح عبدالعليم، تتغير هذه النظرة تمامًا، لتتحول لأول مرة داخل الأحداث إلى نظرة تحدي، وصمود، لم نعهدها منه طوال مدة العرض، حتى أن هذا البريء لم يخش سوط الجلاد، ولا ثعابينه.
8.
شتان تماما بين هذه النظرة، ونظرته السابقة في نفس الفيلم (البريء)، فلو وضعتهما أمام أعين مشاهد عادي، سيصعب عليه تقبل أنهما من داخل نفس الفيلم، فكيف لهذه النظرة البلهاء، التي تعبر عن شخصية ساذجة، أن تقارن بنظرته السابقة داخل الزنزانة!.. هنا تكمن براعة زكي، الذي انتقل بالشخصية من طور البلاهة، للجرأة والثورية، ببراعة واقتدار.
7. الهروب
لحظة انتقام منتصر من شريكه الخائن، بتصفيته وهو على فراش النوم، مستعينا بمسدس صغير، لا تُنسى فيها أبدًا نظرته التي وجهت للقتيل قبل أن يفرغ الرصاصات في صدره، تلك النظرة التي جمعت بين الانتقام، والغل، وكبرياء رد الشرف والإعتبار، في صورة الشاب الصعيدي الذي تربى على الثأر، وعدم الاستسلام أو الخنوع أبدًا.
6.
في نفس الفيلم، يتحول الشاب الجسور إلى قطة وديعة أمام عيون الغازية، فلا عيناه الجريئتين صارت وحشية، مخيفة، ولا نظراته الحادة ظلت كذلك، لينهار تمامًا، وتنقلب الآية على عقبيها، فتتحول النظرة إلى كتلة مشاعر متدفقة، راغبة في الإحتواء، ومُتعطشة للحظة رومانسية كتلك.
5. موعد على العشاء
الشاب المتواضع، الحالم، الرومانسي، تلزمه بالتأكيد نظرات تليق بهذه الصفات الحميدة، خاصة أمام حبيبته، التي لا يكتفي أمامها بالتعبير عن حبه بنظرات عاشق موجهة مباشرة إلا عيناها، لكنه يواصل تلك النظرة حتى لو أدارت ظهرها، وابتعدت، ما دامت بارزةً في الكادر، وفي محيط رؤيته.
4. البيه البواب
القروي الساذج، تليق به نظرة ساذجة، لكنها ليست بنفس بلاهة البريء، فهناك في رسم الشخصية ما يوحي بأن داخل «عبدالسميع» لؤمًا، وكبرياءً يُخبأهم للزمن، يحتاجون فقط لمن يمنحهم فرصة الصعود إلى القمة، فيفرضا أسلوبهما على نظرته الساذجة، الخائفة من المجهول الذي سيتوجه إليه في طريقه إلى القاهرة، أو مصر كما يحب أهل القرى أن يلقبوها، لذلك منحنا زكي في أول الفيلم نظرة كتلك، تحوي في ظاهرها الساذج، لكنها متطلعة إلى شيء ما، في الأفق، إلى مستقبله هناك –مثلاً- في أرض الله الواسعة.
3. الحب فوق هضبة الهرم
مشاعره المنقسمة إلى نصفين طوال الفيلم، ما بين شاب بائس، وآخر حالم، ومُتمني، يُحسم أمرها تمامًا في آخر الفيلم بهذه النظرة الموجهة من «علي» إلى حبيبته «رجاء»، داخل سيارة الترحيلات، مؤكدًا بها انتصار الحب، وأحلامهما، رغم ما واجهوه، وما سيواجهوه من مشاكل، دفعت بهم وبالحب، إلى السقوط من أعلى هضبة الهرم.
2. هستيريا
منحت وداد كل الحب لزين، وحاول هو أن يمنحها مقابل الحب، الأمان، لذلك ستجده في كل مره يواجه نظرات حب وداد بنظرة أب يحتوي ابنته، يخبرها أنه الظهر والسند، دون أن يعرب لها بشكل مباشر عن مشاعر حبه المكتومة، فالأب عادة لا يحب أن تفضح عيناه كلماته الرقيقة، ويحب أكثر أن تكشف قدرته على الإحتواء، كربٍ، وليٍ، راع.
1. الإمبراطور
لم يكن أبدًا ضابط شرطة، أو قناص محترف، لكنه تاجر مخدرات كبير، يحمل سلاحًا، لذلك وجب أن تخلط نظرته بين عظمته وسط أربابه وتجار الصنف، وبين الصعلكة، وتربيته الأولى كمشرد، ومتشرد، وهو ما فعله زكي بالحرف داخل هذا الفيلم.