كُل ذكرياتنا عن مُراهقتنا تتصدرها لافتات كُبرى تشير إلى تقلباتنا المزاجية القاسية، في مرحلةٍ اتخذت من التصرفات الاندفاعية التي لا تجيد حسابات الأخطار شعارًا رسميًا لها، مع عدائية تجاه «عالم الكِبار» تكاد تصل إلى حد المعارك ولا تبالي بعاقبة «القطيعة» والعقاب كثيرًا، وربما الحرمان من المصروف، حتى أن جموع الأقران شاركونا الرفض والغضب والرغبة في الاستقلال على مرمى محادثة تليفونية، أو دردشة إلكترونية –إذا كُنت من جيل قريب تشابكت مراهقته مع روافد الشبكة العنكبوتية- وحجراتنا المستقلة متناهية الصغر كونٌ قابلٌ للاتساع ورحابة الصدر لفوضانا المُحببة إلينا بشدة.
وبينما عبرنا مراهقتنا بسلام رُبما غير مُكتمل تمامًا في بعض الأحيان، يظل شبح مراهقة أولادنا مُرعبًا كُقنبلة موقوتة في منازلنا نعرف آوانها بغير أن نعرف كيفية إيقاف مفعولها.
تقول إحدى مؤلفتيّ كتاب «ترجمة المراهقين: كيف تربي مُراهقًا سعيدًا» «نيلا جرو» خبيرة التربية، أنه في هذا العصر الحديث الذي نحياه، لا نحنُ ولا أبنائنا المراهقين نملك رفاهية ألا نعرِف على أي نحو تسير الأمور في منظومة مشاعرهم وجهازهم العصبيّ، فضلاً عن معرفة السبيل إلى تنظيم عمليتي الاستجابة والاستثارة المرتبطتين بهما ونقل هذه المعرفة للأبناء.
وفي هذا التقرير تستعرض «المصري لايت» دليلاً مُبسطًا لأي شخص يتعامل مع المُراهقين، أو المُراهقين أنفسهُم، لفهم طبيعة كيمياء مُخ المُراهق، وسير عمليّة نموّ خلايا المُخ في هذه المرحلة، وأثر ذلك على استجابات المُراهق وتفسيرها لسلوكياته.
5. النور يشتعل في قشرة المخ الأمامية أخيرًا
من أهم العناصر في دليل المهتمين بتربية المُراهقين لفهم ما يجري داخل مُخ المُراهق، هو فهم رحلة المُخ من الطفولة إلى الرشاد عبر مرحلة انتقالية ثورية فاصلة في نمو المُخ هي مرحلة المُراهقة.
وتأسيسًا لفهم مبسط لعملية نموّ مخ المُراهق، فإن مُخ الإنسان ببساطة يتكون من منطقة قشرية واسعة تمثل حجم 85% من المُخ، وتحوّط المُتبقى من عناصره، حسب ورقة بحثية بعنوان «مخ المراهقين المذهل».
وتُعد هذه القشرة المخية هي المسؤولة عن الأسباب والمنطق والتفكير العقلاني في الإنسان، إلى جوار القراءة والكتابة والعمليات الحسابية باختلاف المناطق المسؤولة عن كل مهمة في هذه القشرة.
القشرة الأمامية والتي تقع بالضبط خلف جبهة المُراهق يصطلح على تسميتها العُلماء المدير التنفيذيّ للمُخ، تظرًا لمسؤوليتها عن الحكم على الأمور وتقدير الإشياء وحل المُشكلات وتحجيم السلوك الاندفاعي ووضع الأهداف والتخطيط السليم وتنظيم المواعيد، إلى آخره من الوظائف الإدراكيّة الراقيّة.
أما عن مسار النمو داخل هذه القشرة، فإنه يسير من القاع إلى السطح، وصولاً لقمة نضجه بتفعيل أداء القشرة الأمامية أو الجبهية هذه، والتي رُبما لا تصل لنضجها الأتم قبل منتصف العشرينات، في حالة من التغيير الشامل للخلايا العصبية ومد الشبكات بينها وبين جاراتها، وتقليم المسارات غير المستخدمة وإحلالها بمسارات أخرى.
وبفهم هذه التراتبية في نمو مناطق المخ، يكون بوسع الشخص القائم على تربية المراهق إيجاد تفسير لتناقضات متعددة في مُخ المراهق، منها قابليته وجاهزيته للتعلُم بشكل موسّع كأن يظهر عبقرية في الرياضيات مثلاً، بينما يظهر إخفاقًا في مجال حساب الأخطار أو كبح سلوكه الاندفاعي أو الاعتناء بأخته الرضيعة التي تصغره بما يزيد عن العشرة أعوام، أو الفوضى العارمة التي تشمل حجرته ومواعيده، وذلك لأن المناطق المسؤولة عن هذه الوظائف الإدراكية لازالت في طور الإنشاء.
4. شعور دائم بالخطر
فتاتك ذات الخمسة عشرة عامةً غالبًا ما تعتبر أي نظرة منك هي نظرة شك أو ازدراء، وتعاجلها برد فعل عدائي كأن تصرخ في وجهك «لماذا تنظُر لي هكذا؟ ماذا فعلت أنا لكل هذا؟! أنا أعرف تمامًا أنك تكرهني وتكره أصدقائي وطريقة ارتدائي لملابسي!»، وتتجلى أطياف عقد الاضطهاد في حديثها على الدوام، بينما بلا تدري أنت مايدفعها لذلك.
في كتاب «ترجمة المُراهقين»، يصف الكتاب بالطريق بين الجهاز العصبي المركزي في المُخ وبين النخاع الشوكي بأنه طريق اضطراري وسريع يعطي إشارات بالحركة في حالة الشعور بالخطر وأن الأمر طارئ ولا يحتمل الانتظار، كأن تبصر طفلاً صغيرًا يجري في اتجاه حوض السباحة أو قابس الكهرباء، فيقوم مخك لا إراديًا بسلك الطريق الاضطراري السريع لتتصرف بدون أن تفكر أو يمر الأمر على مراكز التفكير في المخ، بينما المنطقي في الأمور الطبيعية أن تمشي الإشارات العصبيّة مسارها الطبيعي والآمن من مراكز البصر إلى مراكز التفكير إلى مراكز الحركة أخيرًا في النخاع الشوكي إذا كان القرار بالحركة.
أما على صعيد مُخ المراهق، فإن «لوزة» المُخ حساسة بدرجة عالية جدًا، تستدعي دومًا كل التجارب الخطرة أو المقلقة لتجعل رد الفعل يأتي بدون تفكير أو معالجة في القشرة الخارجية المسؤولة عن المعالجة والتفكير، الأمر الذي يفسر ردود الفعل ذات الحساسية العُليا للخطر والمبالغة في بعض الأحيان.
3. فوضى هُرمونية عارمة
جنب إلى جنب مع الهرمونات الجنسيّة المسؤولة عن تطور سمات الأنوثة والذكورة في المراهقين، تعصف بمُخ المراهق كوكبة من الهرمونات التي تعمل كناقلات للإشارات الحسية مثل «الدوبامين» و«السيروتونين» و «أوكسيتوسين».
بخاصة «الدوبامين»، حسب دراسة منشورة في الموقع الرسمي للكلية الأمريكية لأطباء الأطفال بعنوان «مخ المُراهق: تحت الإنشاء»، فإنه يتم إفرازه بغزارة كهرمون مسؤول عن الشعور بالسعادة بغزارة في الجزء الجبهي من المخ، بينما في الجزء المركزي والمسؤول عن الإشعار بالسعادة والسرور، فإنه يتم إفرازه بنسَب شحيحة جدًا، الأمر الذي يتطلب درجات عليا جدًا من الإثارة والتنبيه للشعور بالسعادة والرضا المنشودين.
ولعل هذا ما يفسر لجوء بعض المراهقين لممارسة أنشطة غاية في الخطور، أو إدمان سلوكيات وألعاب ومواد مخدرة وكحوليات، وممارسة ألعاب فيها نسبة كبيرة من المخاطرة، وكل هذا لأجل إفراز نسبة مناسبة من الدوبامين للإشعار بالسعادة والرِضا.
واحدة من العواقب غير المحمودة لهذا الإفراز الشحيح لهرمون الدوبامين هو لجوء المراهق لتعاطي أي مواد مخدّرة لكي يشعر أنه سعيد وعلى مايرام، غير أن الأخبار السيئة في هذا الصدد أن أي مواد مخدرة أثرها على مخ المراهق يعتبر أثرًا مضاعفًا بالمقارنة للحال عند الراشدين، حيث أنها من شأنها أن تتسبب في تلف مراكز المخ المسؤولة عن عملية الحفظ والتذكر وبالتالي يواجه المراهقون المتعاطون للمواد المخدرة صعوبات في التعلم، بالإضافة إلى إحداثها خللاً في كيمياء المخ بشكل عام وعلى صعيد كافة الهرمونات المسؤولة عن نقل الإشارات الكهربية بين الخلاية العصبية، علاوة على أن المراهق الذي يتعاطى المُخدر أكثر احتمالية لسرعة إدمانه أكثر من الشخص الراشد على اختلاف أنواع المواد المخدرة.
2. هل قصّر في الأعمار طول السهر؟
مُحاولات مُضنية هي تلك التي يتكبدها الآباء لضبط ساعات أبنائهم المُراهقين البيولوجية، وبالذات في وقت الدراسة، بالحُسنى في مرات، وبالشدة في مرّات، وبالإجبار والأمر الواقع في مرّات عن طريق إطفاء الأنوار وتهيئة المناخ المحيط للنُعاس، حتي يأتي وقت الاستيقاظ المبكّر للمدرسة بعد فقرة قصيرة من النوم غير الكافية بالمرّة لعمليتي التعلُم والتذكُر.
وتقول مؤلفة كتاب «مخ المراهق» أحدث الكتب التي تناولت كيمياء مُخ المراهقين وعلاقتها بأساليب التربية «فرانسس جنسن» أن من بين مجموعة الهرمونات التي يفرزها مُخ المراهق، هرمون مسؤول عن النوم أو «الميلاتونين»، والذي يتم إفرازه عند المراهقين ساعتين بعد ساعات النوم المُعتادة، الأمر الذي يفسر هذا التأجيل في ساعتهم البيولوجية، وصعوبة استيقاظهم في الوقت المناسِب للذهاب للمدرسة، وبالتالي معاناتهم من «حرمان النوم»، حيث لا يتعلق الأمر بالكسل من عدمه.
وفي هذا الصدد توصي «جنسن» بإعادة النظر في موعد بداية اليوم الدراسي، لأسباب تتعلق بأهمية النوم في كفاءة المخ ونمو خلاياه، فضلاً عن اختلاف الساعة البيولوجية للمراهقين عن الراشدين والأطفال.
1. من زرع -في المُراهقة- حصد
بالرغم من أن بعض الآباء والأمهات يعتقدون إن ميول كُل طفل محددة سلفًا بعوامل وراثية صارمة لاسبيل لتغييرها، إلا أن مجموعة الدراسات التي اهتمت بدراسة كيمياء وتكوين مخ المراهقين في العقدين الأخيرين، تؤكد أن قسم كبير من تشكيل مخ الإنسان يحدث في مرحلة المُراهقة ويتأثر بالتجارِب الحياتية التي يمُر بها المُراهق.
فبحسب موقع Psychology Today، في مرحلة المُراهقة ثلاثة عمليات تجري في خلايا المُخ على قدم وساق، أولها عملية «تكوين الميالين» وهي تغليف الخلايا بطبقة من البروتين تساعد في سرعة انتقال المعلومات عبر طُرقات المُخ، وثانيها «التقليم» وهي إزالة الخلايا والمسارات غير المطروقة في مخ المراهق والتي لا تمر عبرها الإشارات الكهربية والرسائل والمعلومات، وثالثها عملية «الإنبات» وفيها تبني مسارات جديدة وخلايا جديدة.
وبناءً عليه، فإن مخ صغيرك المُراهق ليس إلا حقل خصب يمكنك ويمكنه الاستثمار فيه لأنه يكون لازال في طور التطور وتسهم التجارب التي يتعرضها لها المُراهق في تنميته بشكل كبير، فالطفل مثلاً الذي يسرف في ممارسة ألعاب الفيديو يحتمل أكثر أن يكون طيار مقاتل في المستقبل أكثر من أن يكون مُحاسب أو مبرمج، بينما مُهرّج الفصل فإن نمو خلايا مخه في هذه الفترة سيجعله أكثر تأهيلاً لأن يشغل وظيفة في العلاقات العامة والتعامل مع الجمهور، بينما المراهقين الذين يتعاطون المخدرات أو يشاهدون دراما عنيفة سيكونون أكثر عرضة لمستقبل مضطرب ملئ باحتماليات الإدمان والعُنف.