شفافيات – ياوزير التربية: أنشطة التعليم ممنهجة !
د. حمود الحطاب
مدة طويلة من الزمن قاربت العام, وأنا لم أكتب في نقد التعليم, وكنت قد استمررت في نقده وزراء ومنهجاً وإدارة وكفاءة إداريين وأنشطة وغيرها قبل ذلك من نحو خمس وعشرين سنة… نحو ربع قرن من الزمان, وأنا أكتب في نقد التعليم نقدا متنوعا لا أقدم فيه رأياً شخصيا وهذا مهم للغاية, وكنت أعلم ُعِلْمَ اليقين أن زحزحة جبل أبي قبيس من مكانه أسهل من زحزحة فكر وزارة التربية «على طماط المرحوم». وهذا هو الإنسان بالعموم لا يتزحزح عن أخطائه حتى ولو على حساب خراب مالطا. لكن «الشرهة» على المتخصصين وعلى الخبراء والمجربين, فالذي يهديهم للحق وللطريق المستقيم هو العلم والمعرفة والاطلاع, أما الإنسان العادي فمن ذا الذي يهديه?
قبل أيام قلائل يا معالي وزير التربية المحترم اتصل بي أحد الأشخاص, وهو في حال توتر وانفعال شديدين, وانتقد واقع التعليم, وقال: إنه يرى أن إصلاح التعليم يجب أن يكون من المرحلة الابتدائية, واقترح أن تلغى معظم المواد الدراسية, وأن يكتفى بتعليم المتعلمين «الأمانة!» ولسنوات عدة! يا إلهي! وكان كما بدا قد توقع مني أن أهز رأسي وأقول : «إي بالله! والله خوش فكرة» لكنه صدم عندما قلت له : يا فلان: ليس هكذا يبنى التعليم ! وأردفت قائلا وهو مصدوم من رَدِّي الذي ليس فيه مجاملة: يا فلان تركتك تكمل كلامك وتشرح معاناتك حتى انتهيتَ من ذلك لأقول لك: إن خراب التعليم هو في مثل هده الأمنيات التي تمنيتها أنت, وأرجو أن يركز معي معالي الوزير هنا, فلو أن كل إنسان وضع أمنياته للمتعلمين منهجاً, وقال تعلموا هذا وهذا ماكان هناك تعليم ولا كان هناك تربية ولا علوم تربية ولا كليات ولا علماء تربية «سكلنس».فاحتج صاحبي على هذه الصدمة فطلبت منه أن يهدأ قليلا ريثما أتم كلامي. قلت له يا فلان إن عملية بناء المناهج علمٌ قائم بذاته, وليست أمنيات الكبار تجاه الصغار.
ومن جانب طريقة بناء المناهج وبشكل علمي فإن بناء المناهج لا يجب أن يركز على «المعلومة» يا أستاذ كما تريد بل إن التعليم الصحيح الحديث منه والقديم يجب أن يركز على المتعلم وهذا موضوع علمي يطول الحديث فيه !فالتركيز على بناء مناهج تهتم بالمعلومة تعليم فاشل فاشل; وهذا ما نحن فيه الآن ومنذ أزمان.
وأكملت صدمي للمتصل قائلا :هل تعرف يا أخي ما اسم المناهج التي عليها وزارة التربية, ومنذ تأسيسها وإلى الآن? إن معظم العاملين في حقل التعليم في وزارة التربية لا يعرفون اسم هذه المناهج, وأولهم وزراء التربية المتعاقبون عليها- معذرة وزير التربية الحالي- قلت إن المنهج الذي عليه وزارة التربية يسمى «منهج الوحدات الدراسية المنفصلة», وهو موجود في قائمة مناهج التعليم وكتب التربية, ومعروف في كتب التربية, وهو أشهرها, وهو في تقييم علماء التربية- وكنا ندرسه للطلبة في معاهد إعدادهم- من فضلك انتبه معي يا معالي الوزير جيدا هنا- هذا المنهج الذي عليه وزارة التربية, ومنذ تأسيسها وإلى الآن, والذي يسمى منهج الوحدات الدراسية المنفصلة تقييمه علميا أنه أسوأ أنواع المناهج ! فما سبب شهرته إذاً كما سألني الذي اتصل بي? سبب شهرته وعالميته في الدول المتخلفة بالذات هو رخصه! فما سبب رخصه? سبب رخصه هو أنه لا يكلف من يبنيه جهدا ولا علما, هو منهج قص ولزق, هو منهج تلقين لا يحترم قدرات المتعلم ولا يربيها, منهج تحفيظ وترديد. وطبيعته لا تحتاج الى مزيد لاعداد للمعلمين, ولا تحتاج طبيعته للتغير لمواكبة العصر, فمن الممكن أن يبقى هذا المنهج عشرات السنوات ولا يدخل عليه تعديل .ومن أكبر سيئاته هو في مثل ما تفعل الوزارة اليوم وهو أن تكون مناهجه أو أنشطته وفق هوى وزير أو وكيل أو حتى عابر سبيل, فأي واحد من الناس يزور الوزير فيقول: «حطوا في المناهج هذاك وشيلوا ذاك فيلاقي هوى الوزير أو هوى الأحداث فيقول الوزير يا بناة المناهج تعالوا شكلوا لجنة تشيل وتحط». هذا هو خراب مالطا التعليم, وسببه أيضاً رخص الإنسان الذي اختاروا له أرخص المناهج.
يا معالي الوزير المحترم: الشق في التعليم ما تنفع معه «الخبانة» ولا الترقيع, والأنشطة, الطلابية خارج المدرسة ليست على كيف الوزير ولا وكلائه, ولا على كيف الخواطر, وأنت ياالسيد الوزير يفترض أن تكون أول العارفين في أن عملية تحريك التعليم أو أنشطته بسبب ردة فعل حدث من الأحداث ومن دون منهجية علمية مقننة ومن دون دراسات سيكون في نتائجه أكثر خطرا من طبيب يجري عملية في القلب ومن دون فحوصات ودون دراسات وحتى من دون خبرة- وخلني أقول لك -وحتى دون تخصص. لا تكبرون الشق اركدوا, المجتمع الواعي يدعوكم ا! «ترى اللي فينا كافينا».
إلى اللقاء