الضربات الجوية الروسية منحت تنظيم «داعش» فرصة لاحتلال خمس قرى في ريف حلب، حيث استغل التنظيم تركيز الضربات الجوية على فصائل المعارضة التي تقاتل حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد في أكثر من جبهة في إدلب وسهل الغاب. وبينما واصل جيش النظام السوري يوم الجمعة الماضي، بدعم من «حزب الله» اللبناني والطيران الحربي الروسي، عملياته البرية ضد المعارضة السورية في وسط وشمال وغرب البلاد، حيث لا وجود لـ«داعش» هناك، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن العمليات الحالية تحقق أكبر تقدم لـ«داعش» نحو حلب.
ويبقى التدخل الجوي الروسي في سوريا لغزاً ومفاجأة للمراقبين الذين يتساءلون عن حقيقة وأهداف هذا التدخل! ووصل الأمر إلى حد تشبيه الوضع الحالي على الأرض السورية بأنه مقدمة لحرب عالمية ثالثة.
وحللت بعض الصحف الأميركية، مثل «واشنطن بوست»، الموقف الروسي واعتبرت أنه يأتي لدعم الأسد بعد أن تقهقرت قواته وتراجعت أمام تقدم المعارضة المناوئة لنظامه. وترى الصحيفة أن التدخل الروسي سوف يربك ويعقّد استراتيجية الرئيس الأميركي أوباما الهادفة إلى توسيع نطاق الحملة الجوية ضد «داعش»، وتتوقع الصحيفة أن يدفع الرئيس الروسي بوتين ثمن خطئه الاستراتيجي في سوريا، والذي سيؤدي إلى «تشويه» سمعته في العالم، ويساعد على انتشار المسلحين.
ويرى محللون أميركيون أن التدخل الروسي في سوريا يهدف إلى «التباهي»، ذلك أن 11 صاروخاً من أصل 26 صاروخاً من طراز كروز متوسط المدى أطلقت نحو سوريا، أخطأت أهدافها. وتزعم مجلة «نيوزويك» أن بوتين يهدف إلى إثارة الفوضى وإضعاف التحالف الدولي.
أما موقف دول مجلس التعاون فكان واضحاً في انحيازه إلى جانب الشعب السوري، وهذا ما أكده خالد العطية وزير الخارجية القطري بعد اجتماع وزراء الخارجية الخليجيين مع نظيرهم الروسي سيرغي لافروف في نيويورك الخميس الماضي، حيث دعا الوزراء موسكو إلى الوقوف مع الشعب السوري وليس النظام المسؤول عن الأزمة. ومن جانبه أكد لافروف أن بلاده ستقاتل الجماعات الإرهابية، مشيراً إلى أن العمليات العسكرية تستهدف نفس الجماعات التي يستهدفها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بعملياته في سوريا والعراق. وأشار إلى وجود تطابق في وجهات النظر. وقال: إن بلاده لا يمكنها أن تكون جزءاً من تحالف دولي يعمل دون تفويض من مجلس الأمن، غير أنها ستنسق مع قوات التحالف لتفادي أي سوء فهم فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الجوية الجارية في سوريا. ونفى لافروف أن تكون الحملة الجوية الروسية مقدمة لعملية برية تساعد النظام على استعادة بعض المناطق.
لكن الولايات المتحدة وفرنسا شككتا في طبيعة المواقع التي استهدفتها الضربات الجوية الروسية في سوريا، وما إذا كانت تابعة لـ«داعش». وشكك وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في نجاح العلميات العسكرية الروسية في سوريا، وقال إنها غير بناءة، واستبعد أن تكون قد استهدفت «داعش»، خلافاً لما أعلنته موسكو، وأشار إلى أن الاستراتيجية الروسية، عندما لا تلحظ ضرورة وجود عملية انتقال سياسية ورحيل الأسد عن السلطة، فإنها تقوم بصب الزيت على النار. وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن بلاده قلقة من الاستهداف الروسي لمناطق ليست فيها أهداف لـ«داعش» و«القاعدة»، ورأى أن أية ضربات من هذا النوع ستضع علامات استفهام حول النوايا الحقيقية لروسيا، وما إذا كانت لمحاربة «داعش» أم لحماية نظام الأسد!
وفي تطور آخر، أعلنت الولايات المتحدة، الجمعة الماضي، أنها ستعدل نهجها في دعم المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل «داعش»، وأنها ستقدم أسلحة ومعدات لقادة مختارين، في خطوة قد تسمح بزيادة المساعدات الأميركية. وقال ناطق باسم «البنتاجون»: إن الولايات المتحدة سوف توفر دعماً جوياً لمقاتلي المعارضة في المعركة ضد «داعش».
كثيرون يعتقدون أن الضربات الجوية تستهدف «الجيش السوري الحر» الذي تدعمه الولايات المتحدة، مما يعزز الاعتقاد بأن موسكو عازمة على الاحتفاظ بالرئيس الأسد حتى النهاية، خلافاً لرغبة الشعب السوري وللإصرار الدولي على وقف أعمال القتل التي تقوم بها قواته.
وأعتقد شخصياً أن التدخل الجوي الروسي في النزاع السوري ستكون له نتائج كارثية على سوريا وشعبها.