حوارات – لا تصدر حكمك على شيئ قبل أن تقرأه جيداً
د. خالد عايد الجنفاوي
أعترف أنني أتضايق للغاية عند قراءة أو سماع أي نوع من المبالغات والافراط العاطفي وخصوصا عندما تصدر الأحكام السلبية المسبقة من أفراد تنقصهم المعلومات الدقيقة، حيث يتكبد هؤلاء إطلاق أحكام تقيمية شخصية سلبية ضد أي مشروع فكري أو تنموي، قبل قراءته والتمعن فيه جيداً. الإنسان العقلاني والمهني يحرص كل الحرص على التثبت أولاً من صدق معلوماته ولا يهتم غالباً بشخصية وتوجهات من يختلف معهم في الرأي. وبالطبع، أسهل طريقة للتعامل مع من يعمم ويشوه الحقائق ويأتي بكلام مرسل وفضفاض هو سؤاله: ما دليلك، وما طريقة التفكير السليمة التي جعلتك تصل لهذا أو لذلك الاستنتاج اللا منطقي يشير المنطق إلى أي كلام يستند على قوانين عقلية واضحة ويؤدي إلى الوصول إلى أحكام ذهنية صحيحة وسليمة منطقياً. لا أشعر بالضجر من فتح نقاش عقلاني مع بعض من يأتون، وباختيارهم، باستنتاجات وفرضيات لا منطقية وذلك لأن من يردد التأويلات اللامنطقية ويستند على تفسيرات لا يدعمها المنطق هو بشكل أو بآخر ضحية لثقافة الكلام الفضفاض والتعميم السلبي واللا منطقي، ومن هذا المنطلق حري توعيته. من يقع وباختياره أحياناً فريسة للتشويه المعرفي والانحراف عن المنطق السليم يسقط في فخ التفكير العاطفي، حيث لا يكترث باستعمال التفكير العملي أو العلمي أو حتى المتجرد، ويستبدلها طواعية بالانفعالات الشخصانية غير المتزنة.
سيؤدي إطلاق التعميمات المبالغ فيها إلى تشويه الصورة الأصلية والطبيعة الأساسية لأي موضوع يتم نقاشه بهدف الوصول إلى تقييم دقيق حوله. ولا يمكن للإنسان الذي يلتزم بالمهنية والتفكير النظامي والجاد أن يتسرع في إطلاق أحكامه المسبقة حول موضوع سمع عنه من طرف ثان، أو تلقى معلومات غير مؤكدة حوله. الإنسان الجاد والرزين سينتظر حتى تتبين أمامه الصورة الكاملة وبعد أن يتأكد من المعلومات يمحصها جيداً ويتوضح حقيقتها وموثوقية مصادرها وبعدئذ يمكن له أن يصل لتقييم منطقي وعلمي حول مضامينها ونتائجها الحقيقية.
الإنسان العقلاني هو من يبتعد عن التعميمات الشمولية، ويفضل بدلاً من ذلك النظر إلى السياقات المختلفة للموضوع، فالعقلاني والإنسان الجاد يحرص على الدقة، ويبتعد تلقائياً عن إصدار التوصيف الجارف، ويتبع الإنسان العقلاني كذلك استقصاء فكرياً دقيقاً يستند على منهجية فكرية واضحة بهدف الوصول لاستنتاجات يقبلها كل العقلاء.