خارج السرب – قانون الفيل الإلكتروني
فالح بن حجري
هل تذكرون لغز ‘كيف تدخل فيلاً في الثلاجة؟’، وكيف كنا وقتها نطرح الأجوبة المختلفة أمام صاحب اللغز، نقطعه، نذوبه، نشتري ثلاجة عملاقة… إلخ! ثم يفاجئنا صاحب اللغز بالجواب الصادم حين يقول: سهلة جداً، أولاً: تفتح باب الثلاجة، ثانياً تدخل الفيل، وأخيراً تغلق باب الثلاجة!
وبالطبع جواب صاحبنا أعلاه هو فكاهي أكثر منه منطقياً، فلا مشكلة مستعصية في فتح باب الثلاجة أو إغلاقه، ولكن المشكلة أو المعضلة الكبرى هي في الأطنان الستة التي تشكل وزن الفيل، والتي تجعل من فكرة وضعه في ثلاجة مطبخ عادية نكتة خارجة على قوانين المنطق ومطلوبة حية أو ميتة لقوانين الفيزياء!
وصدقوا أو لا تصدقوا، لغز الفيل والثلاجة أصبح عندنا اليوم مسودة قانون تسمى قانون الإعلام الإلكتروني، فيل الإنترنت الضخم، والذي عنوَن عصرنا الحالي فصار يسمي بعصر الإنترنت، كما عنون البرونز والحديد وغيرهما عصور التاريخ، فصارت تسمى العنصر البرونزي والعصر الحديدي، هذا الفيل الضخم جداً والذي يقطع ملايين الكيلو بايتات كل يوم عبر حشائش سافانا السيرفرات يراد له أن يدخل ثلاجة قانون الإعلام الإلكتروني الصغيرة ووفقاً لطريقة افتح باب الثلاجة، أدخل الفيل، ثم أغلق باب الثلاجة، هكذا وبكل بساطة قضي الأمر الإنترنتي وكفي الله المؤمنين بحرية التعبير شر القتال!
مسودة القانون الجديد، وبحسب آراء أهل القانون وأصحاب الشأن من أصحاب المواقع والخدمات الإخبارية، هي مسودة تكبل حرية التعبير في الإنترنت بأغلال الرسوم والغرامات والعقوبات وتطوقها بأجواء الضبابية والتأويل والمطاطية، نعم الإعلام الإلكتروني يحتاج إلى تنظيم، ولكن ضرورات التنظيم لا حجة لها أمام محظورات الدستور، ولا حجة هنا إلى حسن النية، فالدستور هو سقف النوايا الحسنة الأعلى، وبعده ما طار طير قانون مقترح وارتفع إلا كما طار وقع تحت تأثير طلقات دفاعات المقاصد الدستورية، وستبقى حرية التعبير ‘فرضاً’ دستورياً لا يجوز نقضه لقضاء ‘سنة حسنة’ تنظيمياً، الفرض أولى من السنة شرعياً ومنطقياً ودستورياً.
ليت القائمين على مسودة القانون استعانوا بآراء المعنيين من الشباب أصحاب المواقع الإلكترونية، إذاً لعلموا أن هؤلاء الشباب لم تظهر صورهم أبداً في مجلة ‘فوربس’ وأن أغلبهم على بند ‘على باب الله’ مادة ‘يا الله سترك’، وكل ما يسند ظهرهم هو حلم حرية فسره الدستور وبقايا رصيد مالي لا يسمن ‘غرامات’ ولا يغني من جوعِ ‘عقوبات ‘، أقول ليتهم استشاروهم إذاً لخرجنا من معضلة الفيل والثلاجة، ولقدمنا فاكهة حرية التعبير تقطف طازجة من البستان الدستوري مباشرة، بدلاً من تقديمها ‘مجمدة ‘ منزوعة الفوائد ترقد على أرفف ثلاجة قانون درجة حرارتها 50 تحت الصفر!