عرقوب
د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب
لا أعرف للحظة كتابة المقال تفاصيل خبر تسليم مواطن كويتي لحكومته بسبب تغريدة مسيئة للذات الأميرية بحسب المزاعم، ولا أدري إن كان التسليم، إن صح بتفاصيله، قد تم بناءً على تفعيل اتفاقية أمنية ما، تلك التي تداولها الإعلام مطولاً أو أخرى خفية لا نعلم عنها شيئاً، لكنني في كل الأحوال أرى أن هذا الخبر بحد ذاته يجر للسطح مشاعر خطيرة سيكون لها أكبر الآثار السلبية مستقبلاً.
إن مثل هذه الاتفاقيات الأمنية، ومثل هذا التبادل ‘التعاضدي’ لمواطني مجلس التعاون بين حكوماته، كل حكومة تعيد ‘المذنب’ إلى جارتها في احتفاء بوحدة حكومية بين دول الخليج، كل ذلك من شأنه أن يضعف الثقة بين المواطنين وحكوماتهم، فيقسم منطقة الخليج الى قسمين جديدين، بعد الأقسام الأخرى المتعددة التي تنخر فيها، مواطنين وحكومات، شعبا وقيادة. هذا التقسيم يُخلق أصلاً مع أي تكوين دولي مهما بلغت درجة ديمقراطيته، إلا أن الدول المتقدمة دوماً ما تحاول تخفيف حدة التقسيم هذا وإذابة الفروق بين القيادة والشعب بتعيين أبناء الشعب من قاعه في القيادة وبضرب أسس الديمقراطية بعيداً في أرض الدولة، حتى تخف مشاعر القائد والمقود وتتداخل خطوط القوة بخطوط الضعف في عملية تدويرية للقيادة، وفي احترام تقديسي لمفهوم لا يمكن للشعب أن يشعر بحريته وبقيادته الحقيقية لنفسه إلا من خلاله، إنه مفهوم الحرية.
اليوم، أنا شخصياً أشعر بانفصال حاد بيني وبين قيادتي، بيني وبين الحكومة التي ترتب أمور حياتي. هناك حالة من التربص بيننا، أنا أتشكك في كل قرار عادة تتخذه ولا تنفذه، وهي تتربص في كل حرف مسكين أنا وغيري نكتبه. تسود اليوم حالة خطرة من انعدام الثقة بين الطرفين، وهي حالة حقيقية ما بلغت الحقيقة مداها، حالة قاتلة قتل الغازات السامة للبشر الذين يتنفسونها لأنهم لا يملكون التوقف عن تنفسها. الأخطر من ذلك هو فقداني التام للشعور بالأمان، كلمة لربما تتسبب في انهيار حياتي، في زمن ما عاد للمواطن المعترض فيه قيمة، فما بقيت سوى قيمة التخويف للمواطنين، وبث روح التشكك والتآمر بينهم، لتتبعها قيم القوة والقسوة والنحر المنهجي للحريات التي لا يرى المواطنون من مخرج من مخاوفهم سوى بالقبول بها والانصياع لها.
إنه وقت عصيب لأهل الخليج وحكوماته، هو زمن انعدام الثقة وتأسيس لعداوات طويلة المدى وبث روح الفرقة بين الحكومات ومحكوميها. لن يأتي خير مما يحدث أبداً، لا أمن سيستقر ولا أفواه ستكمم، سيثور الناس وسيأخذهم غضبهم إلى ما لا تحمد عقباه، إلى نقاط لا عودة لربما يتغير عندها وجه الخليج المستقر، كلما نظرت للبعيد رأيت المريع المخيف للشعوب ولحكوماتها، رأيت مشروع انهيار سيبدأ بأحد الطرفين، وبلا شك سيجر معه الطرف الآخر، فنحن جميعاً مربوطون من عرقوب واحد، إن هُمُ تنازعوه سقطوا.